ومسرحاً لتجاوزاتهم ، وما أشد هذا العذاب ، وما أقسى هذه العاقبة؟ أجل تلك هي عاقبة النفاق والاختلاف في الدنيا.
وأمّا عذاب الآخرة فهو ـ كما وصفه الله تعالى في القرآن الكريم ـ أشد وأخزى.
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (١٠٧)
الوجوه المبيضّة والوجوه المسودّة : في تعقيب التحذيرات القوية التي تضمنتها الآيات السابقة بشأن التفرقة والنفاق والعودة إلى عادات الكفر ونعرات الجاهلية ، جاءت الآيتان الحاضرتان تشيران إلى النتائج النهائية لهذا الإرتداد المشؤوم إلى خُلُق الجاهلية وعاداتها ، وتصرّحان بأنّ الكفر والنفاق والتنازع والعودة إلى الجاهلية توجب سواد الوجه ، فيما يوجب الثبات على طريق الإيمان والإتحاد ، والمحبة والتآلف ، بياض الوجوه فتقول : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). ففي يوم القيامة تجد بعض الناس وجوههم مظلمة سوداء والبعض الآخر وجوههم نقية بيضاء ونورانية : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ). فلماذا اخترتم طريق النفاق والفرقة والجاهلية على الإتحاد في ظل الإسلام ، فذوقوا جزاءكم العادل ، وأمّا المؤمنون فغارقون في رحمة الله : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
إنّ هاتين الآيتين تصرّحان بأنّ المنافقين والمتفرقين بعد ما جاءتهم البينات هم المسودة وجوههم الذائقون للعذاب الأليم بسبب كفرهم ، وأمّا المؤمنون المتآلفون المتحابون المتحدون فهم في رحمة الله ورضوانه مبيضة وجوههم.
(تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ (١٠٨) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (١٠٩)
هذه الآية إشارة إلى ما تعرضت الآيات السابقة له حول الإيمان والكفر والإتحاد والاختلاف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآثارها وعواقبها ، إذ تقول : (تِلْكَءَايَاتُ