اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ). فكل هذه الآيات تحذيرات عن تلك العواقب السيئة التي تترتب على أفعال الناس أنفسهم (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) وإنّما هي آثار سيئة يجنيها الناس بأيديهم.
ويدلّ على ذلك أنّ الله لا يحتاج إلى ظلم أحد ، كيف وهو القوي المالك لكل شيء وإنّما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، وإلى هذا يشير قوله سبحانه : (وَلِلَّهِ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
فالآية تشتمل على دليلين على عدم صدور الظلم منه سبحانه :
الأوّل : إنّ الله مالك الوجود كله فله ما في السماوات وما في الأرض ، فلا معنى للظلم ولا موجب له عنده ، وإنّما يظلم الآخرين ويعتدي عليهم من يفقد شيئاً ، وإلى هذا يشير المقطع الأوّل من الآية وهو قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ).
الثاني : إنّ الظلم يمكن صدوره ممن تقع الامور دون إرادته ورضاه ، أمّا من ترجع إليه الامور جميعاً ، وليس لأحد أن يعمل شيئاً بدون إذنه فلا يمكن صدور الظلم منه ، وإلى هذا يشير قوله سبحانه : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (١١٠)
مكافحة الفساد والدعوة إلى الحق أيضاً : في هذه الآية تطرح مرّة اخرى مسألة «الأمر بالمعروف» و «النهي عن المنكر». فالآية السابقة تشير إلى القسم الخاصّ ، وهذه الآية تشير إلى القسم العام من هاتين الفريضتين. (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ).
والجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم يصف المسلمين ـ في هذه الآية ـ بأنّهم خير امة هُيئت وعُبئت لخدمة المجتمع الإنساني ، والدليل على أنّ هذه الامة خير امة رشحت لهذه المهمة الكبرى هو «قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيمانها بالله» وهذا يفيد أنّ إصلاح المجتمع البشري لا يمكن بدون الإيمان بالله والدعوة إلى الحق ، ومكافحة الفساد.
أمّا هذه الامة خير الأمم ، لأنّها تختص بآخر الأديان الإلهية والشرائع السماوية ، ولا