واختلافات وما كان يكمن في القلوب من أحقاد طويلة عميقة وما تراكم فيها من ضغائن مستحكمة ، وكيف أن أقل شرارة صغيرة أو مسألة جزئية كانت تكفي لتفجير الحروب ، وإندلاع القتال في ذلك المجتمع المشحون بالأحقاد.
تلك المعجزة التي أثبتت أنّ تحقيق مثل هذه الوحدة وتأليف تلك القلوب المتنافرة المتباغضة ، وإيجاد امة واحدة متآخية من ذلك الشعب الممزق الجاهل ما كان ليتيسر في سنوات قليلة بالطرق والوسائل العادية.
لقد كان وضع العرب سيئاً إلى أبعد الحدود حتى أنّ القرآن يصف تلك الحالة بأنّهم كانوا على حافة الإنهيار والسقوط إذ يقول : (وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا).
«شفا» : في اللغة حافة الهاوية وطرف الحفرة أو الخندق وما شابه ذلك ، ومن ذلك «الشفة» كما وتستعمل لفظة «شفا» هذه في البُرء من المرض لأنّ الإنسان بسببه يكون على حافة السلامة والعافية.
ويريد سبحانه من قوله هذا : أنّكم كنتم على حافة السقوط والإنهيار في الهاوية ، ولكن الله نجاكم من ذلك السقوط المرتقب ، وأبدلكم بعد الخوف أمناً.
والنار في هذه الآية كناية عن نيران الحروب والمنازعات التي كانت تتأجج كل لحظة بين العرب في العهد الجاهلي بحجج واهية ، ولأسباب طفيفة.
ولمزيد من التأكيد على ضرورة الإعتصام بحبل الله مع الاعتبار بالماضي والحاضر ، يختم سبحانه الآية بقوله : (كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُم تَهْتَدُونَ).
إذن فالهدف الأساسي هو خلاصكم ونجاتكم وهدايتكم إلى سبل الأمن والسلام ، وحيث إنّ في ذلك مصلحتكم فإنّ عليكم أن تعيروا ما بيّناه لكم مزيداً من الاهتمام ، ومزيداً من العناية.
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (١٠٥)
الدعوة إلى الحق ومكافحة الفساد : بعد الآيات السابقة التي حثّت على الاخوة والإتحاد