مقدمة للإتحاد والتآخي. وفي الحقيقة أنّ الدعوة إلى الإتحاد دون أن تستعين هذه الدعوة وتنبع من الجذور الخلقية والاعتقادية ، دعوة قليلة الأثر ، إن لم تكن عديمة الأثر بالمرّة ، ولهذا يركز الاهتمام في هذه الآية على معالجة جذور الاختلاف ، وإضعاف العوامل المسببة للتنازع في ضوء الإيمان والتقوى ولهذا توجه القرآن بالخطاب إلى المؤمنين فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)».
إنّ «حق التقوى» يعد من أسمى درجات التقوى وأفضلها لأنّه يشمل اجتناب كل إثم ومعصية ، وكل تجاوز وعدوان ، وإنحراف عن الحقّ.
ثم إنّه بعد أن أوصى جميع المؤمنين بملازمة أعلى درجات التقوى إنتهت الآية بما يعتبر تحذيراً ـ في حقيقته ـ للأوس والخزرج وغيرهم من المسلمين في العالم ، تحذيراً مفاده : أنّ مجرد إعتناق الإسلام والانضمام إلى هذا الدين لا يكفي ، إنّما المهم أن يحافظ المرء على إسلامه وإيمانه واعتقاده إلى اللحظة الأخيرة من عمره وحياته ، ولهذا قال سبحانه : (وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ).
الدعوة إلى الإتحاد : بعد أن أوصت الآية السابقة كل المؤمنين بملازمة أعلى درجات التقوى ومهدت بذلك النفوس وهيّأتها ، جاءت الآية الثانية تدعوهم بصراحة إلى مسألة الإتحاد ، والوقوف في وجه كل ممارسات التجزئة وإيجاد الفرقة ، فقال سبحانه في هذه الآية : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
إنّ المقصود من «حبل الله» هو كل وسيلة للإرتباط بالله تعالى سواء كانت هذه الوسيلة هي الإسلام ، أم القرآن الكريم ، أم النبي وأهل بيته الطاهرين عليهمالسلام.
ثم إنّ القرآن بعد كل هذا يعطي مثالاً حيّاً من واقع الامة الإسلامية لأثر الإرتباط بالله وهو يذكر ـ في نفس الوقت ـ بنعمة الإتحاد والاخوة ـ تلك النعمة الكبرى ـ ويدعو المسلمين إلى مراجعة الماضي المؤسف ، ومقارنة ذلك الاختلاف والتمزق بهذه الوحدة القوية الصلبة ويقول : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا).
والملفت للنظر هو أنّ الله نسب تأليف قلوب المؤمنين إلى نفسه فقال : (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ). أي إنّ الله ألف بين قلوبكم ، وبهذا التعبير يشير القرآن الكريم إلى معجزة اجتماعية عظيمة للإسلام ، لأنّنا لو لاحظنا ما كان عليه العرب والمجتمع الجاهلي من عداوات