غيره. (وَهُوَ الْعَلِيُ) الشأن الذي لا يعلوه شيء وهو يعلو كل شيء ، ويقهره بالفناء (الْعَظِيمُ) الذي لا يتصوّر كنه عظمته ، وكل عظمة تتصور لشيء فهي رشحة من عظمته ، وكل عظيم فبنصيب من عظمته وحصة منها عظيمة. فالعظمة مطلقا له دون غيره ، بل كلها له ، ليس لغيره فيها نصيب. وهي أعظم آية في القرآن لعظم مدلولها.
[٢٥٦] (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦))
(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) لأن الدين في الحقيقة هو الهدى المستفاد من النور القلبي ، اللازم للفطرة الإنسانية ، المستلزم للإيمان اليقيني. كما قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (١) ، والإسلام الذي هو ظاهر الدين مبتن عليه وهو أمر لا مدخل للإكراه فيه. والدليل على أنّ باطن الدين وحقيقته الإيمان كما أن ظاهره وصورته الإسلام ما بعده (قَدْ تَبَيَّنَ) أي تميز (الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) بالدلائل الواضحة لمن له بصيرة وعقل ، كما قيل : قد أضاء الصبح لذي عينين.
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) أي : ما سوى الله وينفي وجوده وتأثيره (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) إيمانا شهوديا حقيقيا (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي : تمسك بالوحدة الذاتية التي وثوقها وإحكامها بنفسها ، فلا شيء أوثق منها ، إذ كلّ وثيق بها موثوق ، بل كل وجود بها موجود وبنفسه معدوم ، فإذا اعتبر وجوده فله انفصام في نفسه لأن الممكن وثاقته ووجوده بالواجب ، فإذا قطع النظر عنه فقد انقطع وجود ذلك الممكن ولم يكن في نفسه شيئا. ولا يمكن انفصامه عن وجود عين ذاته ، إذ ليس فيه تجزؤ واثنينية ، وفي الانفصام لطيفة وهو أنه انكسار بلا انفصال. ولما لم ينفصل شيء من الممكنات من ذاته تعالى ، ولم يخرج منه ، لأنه إما فعله وإما صفته ، فلا انفصال قطعا ، بل إذا اعتبره العقل بانفراده كان منفصما ، أي : منقطع الوجود متعلقا وجوده بوجوده تعالى (وَاللهُ سَمِيعٌ) يسمع قول ذوي دين (عَلِيمٌ) بنياتهم وإيمانهم.
[٢٥٧] (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) متولي أمورهم ومحبتهم (يُخْرِجُهُمْ) من ظلمات صفات النفس وشبه الخيال والوهم ، إلى نور اليقين والهدى وفضاء عالم الروح (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ) ما يعبدون من دون الله (يُخْرِجُونَهُمْ) من نور الاستعداد والهداية الفطرية إلى ظلمات صفات النفس والشكوك والشبهات.
__________________
(١) سورة الروم ، الآية : ٣٠.