إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير ابن عربي [ ج ١ ]

73/415
*

[١٩٧] (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (١٩٧))

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) أي : وقت الحج أزمنة معلومة ، وهو من وقت بلوغ الحلم إلى الأربعين ، كما قال تعالى في وصف البقرة : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (١) ، (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) على نفسه بالعزيمة والتزم (فَلا رَفَثَ) أي : فاحشة ظهور القوة الشهوانية (وَلا فُسُوقَ) أي لأسباب يعني خروج القوّة الغضبية عن طاعة القلب (وَلا جِدالَ) أي : تعدّي القوة النطقية بالشيطنة (فِي الْحَجِ) أي : في قصد بيت القلب (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) من فضيلة من أفعال هذه القوى الثلاث بأمر الشرع والعقل دون رذائلها (يَعْلَمْهُ اللهُ) ويثبكم عليه (وَتَزَوَّدُوا) من فضائلها التي يلزمها الاجتناب عن رذائلها (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) منها (وَاتَّقُونِ) في أعمالكم ونياتكم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) فإن قضية اللبّ أي : العقل الخالص من شوب الوهم وقشر المادة اتقائي.

[١٩٨] (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨))

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) أي : لا حرج عليكم عند الرجوع إلى الكثرة في أن تطلبوا رفقا لأنفسكم وتمتعوها بحظوظها على مقتضى الشرع بإذن الحق ، فإنّ حظها حينئذ يقويها على موافقة القلب في مقاصده ولأنها غير طاغية لتنوّرها بنور الحق (فَإِذا أَفَضْتُمْ) أي : دفعتم أنفسكم من مقام المعرفة التامة الذي هو نهاية مناسك الحج وأمّها كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحجّ عرفة». (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) أي : شاهدوا جمال الله عند السرّ الروحيّ المسمّى بالخفيّ ، فإنّ الذكر في هذا المقام هو المشاهدة ، والمشعر هو محل الشعور بالجمال المحرّم من أن يصل إليه الغير (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) إلى ذكره في المراتب فإنه تعالى هدى أولا إلى الذكر باللسان وهو ذكر النفس ثم إلى الذكر بالقلب وهو ذكر الأفعال الذي تصدر نعماء الله وآلاؤه منه. ثم ذكر السرّ وهو معاينة الأفعال ومكاشفة علوم تجليات الصفات. ثم ذكر الروح وهو مشاهدة أنوار تجليات الصفات مع ملاحظة نور الذات. ثم ذكر الخفيّ وهو مشاهدة جمال الذات مع بقاء الإثنينية. ثم ذكر الذات وهو الشهود الذاتي بارتفاع البقية (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) أي : من قبل الوصول إلى عرفات المعرفة والوقوف بها (لَمِنَ الضَّالِّينَ) عن هذه الأذكار.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٦٨.