إعدادات
تفسير ابن عربي [ ج ١ ]
تفسير ابن عربي [ ج ١ ]
المؤلف :محي الدين بن علي بن أحمد بن عبدالله الطائي الحاتمي [ ابن العربي ]
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الصفحات :415
تحمیل
ازدهاني مما وراء المقاصد والأماني ، قول النبيّ الأميّ الصادق عليه أفضل الصلوات من كل صامت وناطق : «ما نزل من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن ، ولكلّ حرف حدّ ، ولكل حدّ مطلع». وفهمت منه أنّ الظهر هو التفسير ، والبطن هو التأويل ، والحدّ ما يتناهي إليه الفهوم من معنى الكلام ، والمطلع ما يصعد إليه منه فيطلع على شهود الملك العلام.
وقد نقل عن الإمام المحق السابق جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام أنه قال : «لقد تجلى الله لعباده في كلامه ، ولكن لا تبصرون». وروي عنه عليهالسلام أنه خرّ مغشيا عليه وهو في الصلاة ، فسئل عن ذلك ، فقال : «ما زلت أردّد الآية حتى سمعتها من المتكلم بها».
(فرأيت) أن أعلق ببعض ما يسنح لي في الأوقات من أسرار حقائق البطون وأنوار شوارق المطلعات دون ما يتعلق بالظواهر والحدود ، فإنه قد عين لها حدّ محدود. وقيل من فسر برأيه فقد كفر. وأما التأويل فلا يبقي ولا يذر ، فإنه يختلف بحسب أحوال المستمع وأوقاته في مراتب سلوكه وتفاوت درجاته. وكلما ترقى عن مقامه انفتح له باب فهم جديد واطلع به على لطيف معنى عتيد.
(فشرعت) في تسويد هذه الأوراق بما عسى يسمح به الخاطر على سبيل الاتفاق ، غير حائم بقعة التفسير ولا خائض في لجة من المطلعات ما لا يسعه التقرير ، مراعيا لنظم الكتاب وترتيبه ، غير معيد لما تكرّر منه أو تشابه في أساليبه. وكلّ ما لا يقبل التأويل عندي أو لا يحتاج إليه فما أوردته أصلا ولا أزعم أني بلغت الحدّ فيما أوردته. كلا ، فإنّ وجوه الفهم لا تنحصر فيما فهمت ، وعلم الله لا يتقيد بما علمت ، ومع ذلك فما وقف الفهم مني على ما ذكر فيه ، بل ربما لاح لي فيما كتب من الوجوه ما تهت في محاويه وما يمكن تأويله من الأحكام الظاهر منها إرادة ظاهرها فما أوّلته إلا قليلا ليعلم به أن للفهم إليه سبيلا ، ويستدل بذلك على نظائرها إن جاوز مجاوز عن ظواهرها إذ لم يكن في تأويلها بدّ من تعسف. وعنوان المروّة ترك التكلف ، وعسى أن يتجه لغيري وجوه أحسن منها طوع القياد فإن ذلك سهل لمن تيسر له من أفراد العباد. ولله تعالى في كلّ كلمة كلمات ينفد البحر دون نفادها ، فكيف السبيل إلى حصرها وتعدادها ، لكنها أنموذج لأهل الذوق والوجدان يحتذون على حذوها عند تلاوة القرآن ، فينكشف لهم ما استعدوا له من مكنونات علمه ، ويتجلى عليهم ما استطاعوا له من خفيات غيبه ، والله الهادي لأهل المجاهدة إلى سبيل المكاشفة والمشاهدة ، ولأهل الشوق إلى مشارب الذوق ، إنه وليّ التحقيق وبيده التوفيق.