إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير ابن عربي [ ج ١ ]

40/415
*

(لا ذَلُولٌ) غير مذلّلة ، منقادة لأمر الشرع (تُثِيرُ) أرض الاستعداد بالأعمال الصالحة والعبادات (وَلا تَسْقِي) حرث المعارف والحكم التي فيها بالقوّة باستقاء ماء العلوم الكسبية والأفكار الثاقبة ، لعدم احتياج مثل هذه البقرة إلى الذبح (مُسَلَّمَةٌ) سلمها أهلها لترعى ، غير مسوسة برسوم وعادات وشرائع وآداب (لا شِيَةَ فِيها) أي : لم يرسخ فيها اعتقاد ومذهب لعدم صلاحيتها للذبح.

(جِئْتَ بِالْحَقِ) الثابت في بيان المستعد المشتاق ، الطالب للكمال (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) لكثرة سؤالاتهم ومبالغاتهم وتعمقهم في البحث والتفتيش عن حالها ، وفضول كلامهم في بيانها التي تدلّ على عدم انقياد النفس بالسرعة ، وإبائها للرياضة ، وغلبة الفضول عليها ، وتعذر مطلوبهم ، وتأخرهم عنه بسبب ذلك. ولهذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ، ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم» ، أي : لو لم يكن منهم كثرة فضول البحث والسؤال لما عزّ عليهم مطلوبهم لقوّة قبولهم وإرادتهم ، فكان سلس القياد ، سهل الانقياد. ونهى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كثرة السؤال ، وقال : «إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال». قال الله تعالى : (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) (١).

وقيل في قصتها : إنّ شيخا من بني إسرائيل نتجت له عجلة على هذه الصفة ، وكان له ابن طفل ، فجاء بها إلى عجوزة وقال : إنها لهذا الطفل ، سلميها في مرعاها عساها تنفعه إذا بلغ. فلما وقعت هذه الواقعة وسعى بنو إسرائيل في طلب البقرة أربعين سنة سمعت العجوز بها ، فأخبرت ابنها بما فعل أبوه وقد ترعرع ، فجاء إلى المرعى فوجدها ، فأتى بها فساوموه في شرائها ومنعته العجوز عن بيعها حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا. فالشيخ هو الروح ، والعجوز الطبيعة الجسمانية ، وابنه الطفل هو العقل الذي هو نتيجة الروح ، والشابّ المقتول هو القلب.

سلّم شيخ الروح عجل النفس إلى عجوز الطبع ليرعى في مرعى اللذات الطبيعية حتى يكبر عسى طفل العقل أن ينتفع بها وقت البلوغ في انتزاع المعقولات من محسوساتها واستعمال الفكر الذي هو من قواها في اكتساب العلوم العقلية. وهو الذي جاء بها من المرعى وسعي بني إسرائيل أربعين سنة إشارة إلى السير إلى الله بالأعمال والآداب والتخلق بالأخلاق ، إلى أوان البلوغ الحقيقي ، وتجرّد القلب ، كما قال الله تعالى : (بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) (٢) وبلغ أربعين سنة. ومساومتهم إياها في شرائها إشارة إلى طلب القوى الروحانية المنوّرة بنور

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١٠١.

(٢) سورة الأحقاف ، الآية : ١٥.