(إِذاً لَأَذَقْناكَ) أي : لو قاربت فتنتهم وكدت توافقهم لأذقناك عذابا مضاعفا في الحياة وعذابا مضاعفا في الممات ، فإنّ شدّة العذاب بحسب علوّ المرتبة وقوة الاستعداد إذ النقصان الموجب للعذاب يقابل الكمال الموجب للذة. فكلما كان الاستعداد أتمّ والإدراك أقوى ، كانت المرتبة في الكمال والسعادة واللذة أقوى فكذا ما يقابله من النقص والشقاوة أبعد وأسفل والألم أشدّ.
[٧٨] (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨))
(أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) اعلم أنّ الصلاة على خمسة أقسام : صلاة المواصلة والمناغاة في مقام الخفاء ، وصلاة الشهود في مقام الروح ، وصلاة المناجاة في مقام السرّ ، وصلاة الحضور في مقام القلب ، وصلاة المطاوعة والانقياد في مقام النفس. فدلوك الشمس هو علامة زوال شمس الوحدة عن الاستواء على وجود العبد بالفناء المحض ، فإنه لا صلاة في حال الاستواء إذ الصلاة عمل يستدعي وجودا ، وفي هذه الحالة لا وجود للعبد حتى يصلي كما ذكر في تأويل قوله تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)) (١). ألا ترى الشارع عليهالسلام كيف نهى عن الصلاة وقت الاستواء ، فأما عند الزوال ، إذا حدث ظل وجود العبد سواء عند الاحتجاب بالخلق حالة الفرق قبل الجمع أو عند البقاء حالة الفرق بعد الجمع ، فالصلاة واجبة (إِلى غَسَقِ) ليل النفس (وَقُرْآنَ) فجر القلب ، فأول الصلوات وألطفها صلاة المواصلة والمناغاة وأفضلها وأشرفها صلاة الشهود للروح المشار إليها بصلاة العصر كما فسرت الصلاة الوسطى ، أي : الفضلى في قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ) (٢) والصلاة الوسطى بها ، وأوحاها وأخفها صلاة السرّ بالمناجاة أول وقت الاحتجاب بظهور القلب لسرعة انقضاء وقتها ولهذا استحب التخفف في صلاة المغرب في القراءة وغيرها لكونها علامة لها ، وأزجر الصلاة للشيطان ، وأوفرها تنويرا لباطن الإنسان صلاة الحضور للقلب المومي إليها بقرآن الفجر ، فإنها في وقت تجليات أنوار الصفات ونزول المكاشفات ولهذا استحب التكثر في جماعة صلاة الصبح وأكد استحباب الجماعة فيها خاصة ، وتطويل القراءة ، وقال تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) أي : محضورا بحضور ملائكة الليل والنهار إشارة إلى نزول صفات القلب وأنوارها وذهاب صفات النفس وزوالها ، وأشدّها تثبيتا للنفس وتطويعا لها صلاة النفس للطمأنينة والثبات ، ولهذا سنّ فيما جعل آية لها من صلاة العشاء السكوت
__________________
(١) سورة الحجر ، الآية : ٩٩.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٨.