(لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) بتوقع العطاء منه وجعله سببا لوصول شيء لم يقدر الله لك إليك ، فتصير (مَذْمُوماً) برذيلة الشرك والشك عند الله وعند أهله (مَخْذُولاً) من الله يكلك إليه ولا ينصرك (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) (١). قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا ما كتب الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا ما كتب الله عليك ، رفعت الأقلام وجفّت الصحف».
قرن سبحانه وتعالى إحسان الوالدين بالتوحيد وتخصيصه بالعبادة لأنه من مقتضى التوحيد لكونهما مناسبين للحضرة الإلهية في سببيتهما لوجودك وللحضرة الربوبية لتربيتهما إياك ، عاجزا ، صغيرا ، ضعيفا لا قدرة لك ولا حراك بك ، وهما أول مظهر ظهر فيه آثار صفات الله تعالى من الإيجاد والربوبية والرحمة والرأفة بالنسبة إليك ومع ذلك فإنهما محتاجان إلى قضاء حقوقهما والله غنيّ عن ذلك ، فأهمّ الواجبات بعد التوحيد إذن إحسانهما والقيام بحقوقهما ما أمكن.
[٤٤ ـ ٥١] (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١))
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ) إلى آخره ، إنّ لكل شيء خاصية ليست لغيره ، وكمالا يخصه دون ما عداه ، يشتاقه ويطلبه إذا لم يكن حاصلا له ويحفظه ويحبه إذا حصل فهو بإظهار خاصيته ينزّه الله عن الشريك وإلا لم يكن متوحدا فيها ، فكأنه يقول بلسان الحال :أوحده على ما وحدني ، وبطلب كماله ينزهه عن صفات النقص كأنه يقول : يا كامل كمّلني ، وبإظهار كماله يقول : كملني الكامل المكمل. وعلى هذا القياس ، حتى أنّ اللبوة مثلا بإشفاقها على ولدها تقول : أرأفني الرءوف وارحمني الرحيم. وبطلب الرزق : يا رزاق ، فالسماوات السبع تسبحه بالديمومة والكمال والعلوّ والتأثير والإيجاد والربوبية ، وبأنه كل يوم هو في شأن ، والأرض بالدوام والثبات والخلاقية والرزاقية والتربية والإشفاق والرحمة وقبول الطاعة والشكر
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٠.