فِيهِ
شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩) وَاللهُ
خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ
لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠) وَاللهُ
فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا
بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ
اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً
وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ
الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
(٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا
لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤))
(وَيَجْعَلُونَ لِما
لا يَعْلَمُونَ) وجوده مما سواه (نَصِيباً مِمَّا
رَزَقْناهُمْ) فيقولون : هو أعطاني كذا ، ولو لم يعطني لكان كذا ، وفلان
رزقني وأعانني ، فيجعلون لغيره تأثيرا في وصول ذلك إليه ، وإن لم يثبتوا له تأثيرا
في وجوده فقد جعلوا له نصيبا مما رزقهم الله.
[٧٥ ـ ٧٦] (ضَرَبَ اللهُ
مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا
رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً
رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى
مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦))
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) للمجرّد والمقيد والمشرك والموحد (عَبْداً مَمْلُوكاً) محبّا لغير الله ، مؤثرا له بهواه ، فإن المقيد بالشيء
يدين بدينه ويصدر عن حكمه ، ويتصرّف بأمره ، فهو عبده إذ كل من أحب شيئا أطاعه ،
وإذا أطاعه فقد عبده. فمنهم من يعبد الشيطان ومنهم من يعبد الشهوة ومنهم من يعبد
الدنيا أو الدينار أو اللباس ، كماقال عليه الصلاة والسلام : «تعس عبد الدينار ،
تعس عبد الدرهم ، وتعس عبد الخميصة»، وقال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ
هَواهُ) وإذا عبده كان مملوكه ورقيقه. (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) لأن المحب والعابد لا يرتقي همته وتأثيره وقوّة نفسه من
محبوبه ومعبوده وإلا لما كان مقهورا له ، أسيرا في وثاقه ، بل ينقض منه ومعبوده
عاجز لا تأثير له ، بل لا وجود سواء كان جمادا أو حيوانا أو إنسانا أو ما شئت ،
فهو أعجز منه وأذلّ ، ولهذا قيل : إن الدنيا كالظلّ ، إذا تبعته فاتك وإن تركته
تبعك ، فإن تابع الدنيا أحقر قدرا من الدنيا وأقلّ خطرا ، ولا تأثير للدنيا فكيف
به حتى يحصل له وبسببه شيء؟ وإنّ الدنيا ظلّ زائل ، فهو ظل الظل ولا ظلّ لظلّ الظلّ
، بل الظلّ للذات ولا ذات له فلا ملك له ولا قدرة.
(وَمَنْ رَزَقْناهُ
مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) ومن أحبنا وأقبل بقلبه علينا ، وتجرّد عما سوانا ، وانقطع
إلينا ، أعطيناه الأيد والقوة ، ورزقناه الملك والحكمة ، وأسبغنا عليه النعمة
الظاهرة والباطنة لأنه
__________________