اللهِ) ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر لكل أحد لا يكون إلا بوجود المهدي عليهالسلام قال : (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) لأن هذا ليس وقت ظهوره ، ثم أكد شهوده لوجه الله وفناء الخلق في القيامة بقوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) من إثبات وجود الغير. ثم فصّل ما شهد في عين الجمع لكونه في مقام الفرق بعد الجمع يشاهد كثرة الصفات في عين أحدية الذات بحيث لا يحتجب بالوحدة عن الكثرة ولا بالعكس ، كما ذكر في قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ) (١) الآية ، فقال : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) أي : العلم الذي يحيي به القلوب ، يعني :القرآن (مِنْ) عالم (أَمْرِهِ) الذي انتقش فيه (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) المخصوصين بمزيد عنايته ، إن أخبروهم بالتوحيد والتقوى ، فبين بعد بيان أحديّة الذات عالم الصفات الحقيقية بتنزيل الروح الذي هو العلم ، وإثبات المشيئة التي هي الإرادة ، وعالم الأسماء بإثبات الملائكة ، وعالم الأفعال بالإنذار. ثم عدّ الصفات الإضافية كالخلق والرزق ، وفصّل النعم المتعددة كالنعم وغيرها. ولما ظهر الحق والخلق ظهر طريق الحق والباطل ، فقال : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أي : عليه لزوم السبيل المستقيم والهداية إليها لأهله ، كما قال : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢) أي : كل من كان على هذا الصراط الذي هو طريق التوحيد لا بدّ وأن يكون من أهله تعالى لأنه طريقه الذي يلزمه.
ومن السبيل (جائِرٌ) يعني بعض السبل ، وهي السبل المتفرقة مما عدا سبيل التوحيد جائر عادل عن الحق ، موصل إلى الباطل لا محالة ، فهي سبيل الضلالة كيفما كانت. ولم يشأ هداية الجميع إلى السبيل المستقيم لكونها تنافي الحكمة.
[٢٨ ـ ٣٤] (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤))
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) قد مرّ أن السابقين الموحدين يتوفاهم الله
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٨.
(٢) سورة هود ، الآية : ٥٦.