المظلمة المؤذية وحجب أنائيتكم وتفرعنكم كما قال : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (١) (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) أي : بسبب افترائكم على الله ، أعمالكم وأقوالكم الصادرة من صفات نفوسكم وأهوائها (وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) وبسبب احتجابكم بأنانيتكم وتفرعنكم معجبين بصفاتكم غير مذعنين بمحوها لصفاتنا محجوبين عنها بوجودها مستكبرين بها عنها.
[٩٤] (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٩٤))
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) مجرّدين عن الصفات والعلائق والأهل والأقارب والوجود بالاستغراق في عين جمع الذات (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بإنشاء ذرات هوياتكم في الأزل عند أخذ الميثاق (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ) من الوسائل والعلوم والفضائل (وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ) وسائلكم وأسبابكم وما آثرتموه بهواكم وتعلقتم بها من محبوباتكم ومعبوداتكم (الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) بمحبتكم إياها وتعبدكم لها ونسبتكم التأثير إليها واعتباركم واعتدادكم بها قد وقع التفرّق بينكم بتغير الأحوال وتبدّل الصور والأشكال (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) شيئا موجودا بشهودكم ثناء الكل في الله.
[٩٥ ـ ٩٦] (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦))
(إِنَّ اللهَ فالِقُ) حبة القلب بنور الروح عن العلوم والمعارف ونوى النفس بنور القلب عن الأخلاق والمكارم (يُخْرِجُ) حيّ القلب عن ميت النفس تارة باستيلاء نور الروح عليها (وَمُخْرِجُ) ميت النفس عن حيّ القلب أخرى بإقباله عليها واستيلاء الهوى وصفات النفس عليه. (ذلِكُمُ اللهُ) القادر على تقليب أحوالكم وتغليبكم في أطواركم (فَأَنَّى) تصرفون منه إلى غيره (فالِقُ الْإِصْباحِ) أي : فالق ظلمة صفات النفس عن القلب بإصباح نور شمس الروح وإشراقه عليها (وَجاعِلُ) ظلمة النفس سكن القلب يسكن إليها للارتفاق والاسترواح أحيانا أو سكنا تسكن فيه القوى البدنية وتستقرّ عن الاضطراب وشمس الروح وقمر القلب محسوبين في عداد الموجودات الباقية الشريفة ، معتدّا بهما. أو علمي حساب الأحوال والأوقات تعتبر بهما (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) القوي على ذلك (الْعَلِيمِ) بأحوال البروز والانكشاف والتستر والاحتجاب بهما يعز تارة باحتجابه بهما وعنهما في ستور جلاله ، وتارة بتجليه وقهرهما وإفنائهما يعلم ما يفعل بحكمته.
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٣٩.