ويثاب بأنواع النعيم في الجنان كلها. ومن وقف مع الغير بالشرك وقف على الربّ وعذب بجميع أنواع العذاب في مراتب النيران كلها ، لكون حجابه أغلظ وكفره أعظم. ومن وقف مع الناسوت بمحبة اللّذات والشهوات ، ولبث في حجاب الآثار وقف على الملكوت وعذّب بنيران الحرمان عن المراد ، وسلّط عليه زبانية الهيآت المظلمة ، وقرن بشياطين الأهواء المردية. ومن وقف مع الأفعال وخرج عن حجاب الآثار ، وقف على الجبروت ، وعذّب بنار الطمع والرجاء ، وردّ إلى مقام الملكوت. ومن وقف مع الصفات وخرج عن حجاب الأفعال ، وقف على الذات ، وعذّب بنار الشوق في الهجران وإن كان من أهل الرضا وهذا الموقف ليس هو الموقف على الربّ ، فإن الموقوف على الذات يعرف ربّه الموصوف بصفات اللطف كالرحيم ، والرؤوف ، والكريم ، دون الموقوف على الربّ فهو حجاب الإنية كما أنّ الواقف مع الأفعال في حجاب أوصافه ، والواقف مع الناسوت في حجاب أفعاله التي هي من جملة الآثار. فالمشرك موقوف في المواقف الأربعة أولا على الربّ فيحجب بالبعد والطرد ، كما قال : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١) ، وقال : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٢) ، ثم على الجبروت فيطرد بالسخط والقهر كما قال : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) (٣) ، ثم على الملكوت فيزجر بالغضب واللعن كما قيل : (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ) (٤) ثم على النار ، فيعذب بأنواع النيران أبدا ، كما قال على لسان مالك : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٥) ، فيكون وقفه على النار متأخرا عن وقفه على الربّ ، معلولا منه ، كما قال : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٦). وأما الواقف مع الناسوت فيقف للحساب على الملكوت ثم على النار ، وقد ينحى لعدم السخط وقد لا ينحى لوجوده. والواقف مع الأفعال لا يوقف على النار أصلا ، بل يحاسب ويدخل الجنة. وأما الواقف مع الصفات فهو من الذين : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٧) والله أعلم بحقائق الأمور.
[٣١ ـ ٣٢] (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٣١) وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٣٢))
__________________
(١) سورة المؤمنون ، الآية : ١٠٨.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٠٦.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٧٧.
(٤) سورة الزمر ، الآية : ٧٢.
(٥) سورة الزخرف ، الآية : ٧٧.
(٦) سورة يونس ، الآية : ٧٠.
(٧) سورة المائدة ، الآية : ١١٩.