(وَهُوَ اللهُ) في صورة الكل سواء ألوهيته بالنسبة إلى العالم العلويّ والسفليّ (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ) في عالم الأرواح الذي هو عالم الغيب (وَجَهْرَكُمْ) في عالم الأجسام الذي هو عالم الشهادة (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) فيهما من العلوم والعقائد والأحوال والحركات والسكنات والأعمال صحيحها وفاسدها ، صوابها وخطأها ، خيرها وشرّها ، فيجازيكم بحسبها.
[٩ ـ ١٧] (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧))
(وَلَوْ جَعَلْناهُ) الرسول (مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أي : لجسدناه لأن الملك نور غير مرئيّ بالبصر وهم ظاهريون لا يدركون إلا ما كان محسوسا وكل محسوس فهو جسم أو جسماني ولا صورة تناسب الملك الذي ينطبق بالحق حتى يتجسد فيها إلا الصورة الإنسانية ، إما لكونه نفسا ناطقة تقتضي هذه الصورة وإما لوجوب وجود الجنسية التي لو لم تكن لما أمكنهم السماع منه وأخذ القول (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي : ألزم ذاته من حيث هي إفاضة الخير والكمال بحسب استعداد القوابل فما من مستحق لرحمة وجود أو كمال إلا أعطاه عند حصول استحقاقه لها.
(لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) الصغرى والإعادة أو الكبرى في عين الجمع المطلق (لا رَيْبَ فِيهِ) في كل واحد من الجمعين في نفس الأمر عند التحقيق ، وإن لم يشعر به المحجوبون وهم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بإهلاكها في الشهوات واللذّات الفانية ومحبة ما يفنى سريعا من حطام الدنيا ، وكل محبّ لشيء فهو محشور فيه. فهؤلاء لمحبتهم إياها واحتجابهم بها عموا عن الحقائق الباقية النورانية واستبدلوا بها المحسوسات الفانية الظلمانية (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) قال ذلك مع قوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (١) ، وكذلك قال موسى :
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ١٢٣.