ينتقض دين الحق بارتداده ، فإن الله سوف يأتي بقوم يحبهم بحسب العناية الأولى لا لعلة بل لذواتهم ، ويحبون ذاته لا لصفة من صفاته ككونه لطيفا أو رحيما أو منعما فإن محبة الصفات تتغير باختلاف تجلياتها ومن يحب اللطيف لم تبق محبته إذا تجلى بصفة القهر ، ومن يحب المنعم انمحت محبته إذا تجلى بصفة المنتقم. وأما محبة الذات فهي باقية ببقائها لا تتغير باختلاف التجليات فيحب محبها القهار عند القهر كما يحب اللطيف عند اللطف ، ويحب المنتقم حالة الانتقام كما يحب المنعم حالة الإنعام فلا تتفاوت في الرضا وعدمه ، ولا تختلف محبته في أحواله ويشكر عند البلاء كما يشكر عند النعماء. وأما من يحب المنعم فلا يشكر عند البلاء بل يصبر ومثل هذه المحبة يلزم المحبة الأولى التي هي لله ولأوليائه فيحبونه بحبه إياهم ، وإلا فمن أين لهم المحبة لله ، يا للتراب وربّ الأرباب.
(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) لينين حانين عليهم ، عطوفين في تواضعهم لهم لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة الأزلية والمناسبة الفطرية بينهم (أَعِزَّةٍ) أشدّاء غلاظ (عَلَى) المحجوبين لأضداد ما ذكر (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم التي هي حجب مشاهداتهم (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) من نسبتهم إلى الإباحة والزندقة والكفر ، وعذلهم بترك الدنيا ولذاتها ، بل بترك الآخرة ونعيمها كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «اعبدوا الله لا لرغبة ولا لرهبة» ، فهم من الفتيان الذين قيل فيهم :
وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه |
|
هانت عليه ملامة العذال |
[٥٥ ـ ٦١] (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١))
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) والمؤمنون لا هم للتنافي الحقيقي بينكم وبينهم ، أي : يتولى الله ورسوله والمؤمنون إياكم أو لا يتولى الله وأولياءه من الرسول والمؤمنين المحجوبون للتضادّ الحقيقي بينهم ، إنما تتولون الله ورسوله والذين آمنوا أنتم. جمع أولا في إثبات ولايتهم لله مطلقا ثم فصلها بحسب الظاهر ، فقال : (وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، كما فعل في