بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠) يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢))
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ) بأن حصروا الألوهية فيه وقيدوا الإله بتعينه (أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) إلى قوله (جَمِيعاً) بالإفناء في التوحيد والطمس في غير الجمع كما قال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١).
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ) أي : عالم الأرواح (وَالْأَرْضِ) عالم الأجساد (وَما بَيْنَهُما) من الصور والأعراض كلها ظاهرة وباطنة وأسماؤه وصفاته وأفعاله (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) أي : حضرة القلب التي هي مقام تجلي الصفات ، فإنه بالنسبة إلى سماء الروح أرض (كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) عين لكم في القضاء السابق وأودع في استعدادكم الوصول إليها والمقام بها (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) في الميل إلى مدينة البدن والإقبال عليه بتحصيل مآربه ولذاته وطلب موافقته وتزيين هيآته فإنه مقام خلف مقامكم وأدنى وأسفل من رتبتكم (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) باستبدال ظلمات البدن بأنوار القلب وخبائثه بطيباته (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) من سلطان الوهم وأمراء الهوى والغضب والشهوة وسائر صفات النفس الفرعونية أخذوها عنوة وقهرا واستولوا عليها مستعلين يجبرون كلا على هواهم ما لنا بهم يدان ولا نقدر على مقاومتهم ، قالوا ذلك لاعتيادهم بالذات الطبيعية والشهوات الجسمانية وغلبة الهوى عليهم ، فلم يقدروا على الرياضة وقمع الهوى وكسر صفات النفس بالمجاهدة (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) أي : يصرفهم الله عنها بلا رياضة منا ومجاهدة أو ينصرفوا بالطبع مع إحالته أو يضعفوا عن الاستيلاء كما في الشيخوخة مع امتناع دخولهم فيها حينئذ.
[٢٣ ـ ٢٥] (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥))
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) كانا من النقباء الإثني عشر وهم : العقل النظري والعقل العلمي يخافون سوء عاقبة ملازمة الجسم ووبال العقوبة بهيئاته المظلمة (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا)
__________________
(١) سورة القصص ، الآية : ٨٨.