والحياة ، فإنّ
جميع القوى التي في الأعضاء تسري منه أولا إليها (وَهُدىً
لِلْعالَمِينَ) سبب هداية ونور يهتدى به إلى الله (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) من العلوم والمعارف والحكم والحقائق (مَقامُ إِبْراهِيمَ) أي : العقل الذي هو موضع قدم إبراهيم الروح ، يعني محلّ
اتصال نوره من القلب (وَمَنْ دَخَلَهُ) من السالكين والمتحيرين في بيداء الجهالات (كانَ آمِناً) من أغواء سعالى المتحيلة ، وعفاريت أحاديث النفس ، واختطاف
شياطين الوهم ، وجنّ الخيالات ، واغتيال سباع القوى النفسانية وصفاتها.
(وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُ) هذا (الْبَيْتِ) والطواف به (مَنِ اسْتَطاعَ
إِلَيْهِ سَبِيلاً) من السالكين ، المستعدّين الصادقين في الإرادة ، القادرين
على زاد التقوى ، وراحلة قوّة العزم دون من عداهم من الضعاف في الاستعداد ،
القاعدين من الضعف والمرض وسائر الموانع الخلقية أو العارضة النفسانية أو البدنية (وَمَنْ كَفَرَ) أي : حجب استعداده مع القدرة وأعرض عنه بهوى النفس (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عنه و (عَنِ الْعالَمِينَ) كلهم ، أي : لا يلتفت إليه لبعده وكونه غير قابل لرحمته في
ذلّ الحجاب ، وهو أن الحرمان مخذولا مردودا (وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللهِ) بالانقطاع عما سواه ، والتمسك بالتوحيد الحقيقيّ (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إذ الصراط المستقيم هو طريق الحق تعالى ، كما قال : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، فمن انقطع إليه بالفناء في الوحدة كان صراطه صراط الله (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) في بقايا وجودكم ، فإن حقّ اتقائه هو أن يتقى كما يجب ،
ويحق وهو الفناء فيه ، أي : اجعلوه وقاية لكم في الحذر عن بقايا ذواتكم وصفاتكم ،
فإن في الله خلفا عن كلّ ما فات (وَلا تَمُوتُنَ) إلا على حال إسلام الوجوه له ، أي : ليكن موتكم هو الفناء
في التوحيد.
[١٠٣] (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣))
(وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) أي : بعهده في قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) مجتمعين على التوحيد (وَلا تَفَرَّقُوا) باختلاف الأهواء ، فإن التفرّق عن الحق إنما يكون باختلاف
الطبائع واتباع الهوى وتجاذب القوى ، والموحد عنها بمعزل ، إذ تنوّر قلبه بنور
الحق واستنارت نفسه من فيض القلب فتسالمت القوى وتصادقت.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللهِ عَلَيْكُمْ) بالهداية إلى التوحيد المفيد للمحبة في القلوب (إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً)
__________________