نصيب لم يكن له من
المحبة نصيب ، وإذا تابعه حق المتابعة ناسب باطنه وسرّه وقلبه ونفسه باطن النبيّ صلىاللهعليهوسلم وسرّه وقلبه ونفسه وهو مظهر المحبة. فلزم بهذه المناسبة أن
يكون لهذا المتابع قسط من محبّة الله تعالى بقدر نصيبه من المتابعة ، فيلقي الله
تعالى محبته عليه ويسري من باطن روح النبي صلىاللهعليهوسلم نور تلك المحبة إليه ، فيكون محبوبا لله ، محبّا له ، ولو
لم يتابعه لخالف باطنه باطن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فبعد عن وصف المحبوبية وزالت المحبية عن قلبه أسرع ما
يكون ، إذ لو لم يحبّه الله تعالى لم يكن محبّا له (وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ) كما غفر لحبيبه. قال تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ
اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) وذنبه المتقدّم ذاته ، والمتأخر صفاته ، فكذا ذنوب
المتابعين كما قال تعالى : «لا يزال العبد يتقرّب إليّ ...» إلى آخر الحديث. (وَاللهُ غَفُورٌ) يمحو ذنوب صفاتكم وذواتكم (رَحِيمٌ) يهب لكم وجودا وصفات حقانيّة خيرا منها. ثم نزل عن هذا
المقام لأنه أعزّ من الكبريت الأحمر.
ودعاهم إلى ما هو
أعمّ من مقام المحبة ، وهو مقام الإرادة فقال : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ
وَالرَّسُولَ) أي : إن لم تكونوا محبين ولم تستطيعوا متابعة حبيبي فلا
أقل من أن تكونوا مريدين ، مطيعين لما أمرتم به ، فإن المريد يلزمه متابعة الأمر
وامتثال المأمور به (فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) أي : إن أعرضوا عن ذلك أيضا ، فهم كفّار منكرون محجوبون ،
والله لا يحب من كان كافرا. فبترك الطاعة يلزم الكفر ، وبترك المتابعة لا يلزم ،
لأنّ تارك المتابعة يمكن أن يكون مطيعا بمتابعة الأمر. ومعنى أطيعوا الله والرسول
: أطيعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى : (مَنْ يُطِعِ
الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) .
[٣٣ ـ ٤٢] (إِنَّ اللهَ
اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣)
ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ
امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا
وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها
بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها
بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما
دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ
أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ
بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧) هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ
الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ
بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ
الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ
الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ
__________________