أنبت وتضرّعت ، فارحم إليك فقري وفاقتي ، وكبوتي لحرّ وجهي (١) وحيرتي في سوأة ذنوبي ، إنّك أرحم الرّاحمين.
وحكت هذه الفقرات من دعاء الإمام مدى خوفه من الله تعالى وتضرّعه إليه ، وإنابته ، وانقطاعه إليه ، وأنّه لا يرجو غيره ، ولا يأمل سواه ، وهذا غاية الطاعة ومنتهى الإخلاص. ويستمر الإمام في دعائه فيقول :
يا أسمع مدعوّ! وخير مرجوّ! وأحلم مغض! وأقرب مستغاث! أدعوك مستغيثا بك ، استغاثة المتحيّر المستيئس من إغاثة خلقك ، فعد بلطفك على ضعفي ، واغفر لي بسعة رحمتك كبائر ذنوبي ، وهب لي عاجل صنعك ، إنّك أوسع الواهبين ، لا إله إلاّ أنت ، سبحانك إنّي كنت من الظّالمين ، يا الله يا أحد ، يا الله يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد.
اللهمّ! أعيتني المطالب ، وضاقت عليّ المذاهب ، وأقصاني الأباعد ، وملّني الأقارب ، وأنت الرّجاء إذا انقطع الرّجاء ، والمستعان إذا عظم البلاء ، واللّجاء في الشّدّة والرّخاء ، فنفّس كربة نفس إذا ذكّرها القنوط مساوئها أيست من رحمتك ، ولا تؤيسني من رحمتك يا أرحم الرّاحمين (٢).
لقد تجرّد الإمام من كلّ نزعة مادية ، ولم يعد له أي التقاء مع متع الدنيا ورغائبها ، وانقطع إلى الله انقطاعا كاملا ، فلا يرى غيره ملجأ ومفزعا ، وهكذا كانت حياته كلّها مع الله تعالى.
__________________
(١) حرّ الوجه : أكرم شيء فيه وأعزّه ، وهو الجبهة.
(٢) مهج الدعوات : ١١١ ـ ١١٤. بحار الأنوار ٩١ : ٢٣١.