قوله : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) : وذلك أنّ المشركين قالوا : إنّ الملائكة بنات الله. وقال في آية أخرى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) [الزخرف : ١٩] أي : ما أشهدتهم شيئا من ذلك ، فمن أين ادّعوا أنّ الملائكة بنات الله؟!.
قال : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٥١) : أي أعوانا. وقال بعضهم : (المضلّين) : الشياطين.
قوله : (وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) (٥٢) : والموبق : واد في جهنّم.
وبعضهم يقول : (موبقا) أي : مهلكا. يقول : وجعلنا بينهم ، أي : وصلهم الذي كان في الدنيا مهلكا. وقال بعضهم : هو واد يفرّق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة. وقال بعضهم : يقول : أوبقناهم ، أي : أدخلناهم في النار بفعلهم فأوبقوا فيها(١).
قوله : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) : أي المشركون والمنافقون (فَظَنُّوا) : أي فعلموا (أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٥٣) : أي معدلا إلى غيرها.
قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) : كقوله : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) [الزمر : ٢٧] (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (٥٤) : أي الكافر يجادل في الله (٢).
__________________
(١) قال الفرّاء في المعاني ، ج ٢ ص ١٤٧ : «(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) يقال : جعلنا تواصلهم في الدنيا (موبقا) يقول مهلكا لهم في الآخرة ...». وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ، ص ٢٦٩ : «(موبقا) أي : مهلكا بينهم وبين آلهتهم في جهنّم». وأصل الفعل وبق ، يبق ، وبقا ووبوقا : هلك ، وأوبقه أهلكه. ومنه الموبقات من الذنوب ، أي : المهلكات. انظر اللسان (وبق).
(٢) الحقّ أنّ هذه طبيعة ابن آدم ، أيّا كان ، وليست خاصّة بالكافر. فقد ترجم البخاريّ في كتاب التفسير ، (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) ، فروى حديثا عن عليّ بن أبي طالب «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم طرقه وفاطمة وقال : ألا تصلّيان؟ ...» وفي رواية لمسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب ما روى فيمن نام الليل ـ