الجحد والإنكار من أهل النار (١). قال الله : (وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) فانقطعت قصّة أهل الجنّة وأهل النار هاهنا.
ثمّ ابتدأ الكلام فقال : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ :) يعني المشركين (بِكِتابٍ :) يعني القرآن ومعنى (جئناهم) أي : جاءتهم به الرسل ، إنّه جاءهم به ، أي فجعل ما جاءتهم به الرسل أنّه جاءهم به ، أي بالرسل والكتاب (٢) (فَصَّلْناهُ :) أي بيّنّا فيه الحلال والحرام ، والأمر والنهي ، والوعد والوعيد والأحكام (عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) : أي هدى يهتدون به طريق الجنّة. ثمّ قال : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ :) أي ثوابه في تفسير الحسن وغيره. وقال مجاهد : جزاءه ، وهو واحد. قال : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ :) أي ثوابه والجزاء به [في الآخرة] (٣) (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ :) أي الذين تركوه (مِنْ قَبْلُ :) أي في الدنيا ، أي : أعرضوا عنه. والإعراض من وجهين : أحدهما لم يؤمنوا به ، والآخر لم يعملوا بفرائضه وأحكامه. وهذا إعراض المنافقين. كقوله : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا
__________________
(١) هذا الاحتجاج الذي جاء هنا استطرادا في هذه الفقرة غير موجود في مخطوطة ز. وأكاد أجزم أنّه للشيخ هود الهوّاريّ ، فهو إلى فكره أقرب ، وبأسلوبه أشبه. وسواء أكان له أو لغيره فإنّ صاحبه قد نزع في تأويل الآية منزعا بعيدا ، وتكلّف من الإعراب ما لا تحتمله الجملة ، إذ جعل «ما» في قوله تعالى : (وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) نافية. وهي لا تعرب كذلك إلّا بتكلّف شديد وإغراب في الإعراب. ولم أجد ـ فيما بحثت ـ من أعربها نافية. والمفسّرون الذين تعرّضوا اللآية جعلوا «ما» معطوفة على «ما» التي قبلها في قوله : (كما نسوا لقآء يومهم هذا) ؛ فيكون المعنى : فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، وكما كانوا بآياتنا يجحدون.
فتكون على هذا الإعراب كالأولى مصدريّة في محلّ جرّ. قال ابن الأنباريّ في كتابه : البيان في غريب إعراب القرآن ، ج ١ ص ٣٦٤ : «(ما) الأولى و (ما) التي بعدها في تأويل المصدر ، وهي في محلّ جرّ بالكاف. وتقديره : فاليوم ننساهم كنسيانهم لقاء يومهم هذا. و (ما) الثانية في موضع جرّ بالعطف على (ما) الأولى». وإلى هذا الإعراب ذهب أيضا الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور في تفسير التحرير والتنوير ، ج ٨ ص ١٥١. وهذا في نظري هو التأويل الصحيح الأليق بكلام الله في يسره ووضوحه. وانظر تفسير الطبريّ ، ج ١٢ ص ٤٧٦ ، وتفسير ابن الجوزيّ : زاد المسير ، ج ٣ ص ٢٠٩.
(٢) كذا جاءت هذه الجمل مقطّعة مضطربة ، ومعناها أوضح من أن يحتاج إلى هذا الشرح الذي لا طائل تحته.
(٣) زيادة من ز ، ورقة ١٠٧.