الْأَشْرارِ) (٦٢) [سورة ص : ٦٢] ، وكقوله هنا : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) ثمّ انقطع كلام الملائكة ، وقال لهم الله : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (٤٩). وهذا كلام مقطوع من كلام الملائكة يعرفه الراسخون في العلم. وهذا من نحو حديث حذيفة إذ قال : فبينما هم كذلك إذ قال الله لهم : ادخلوا الجنّة.
قوله : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ :) أي الطعام. قال بعض التابعين : الخبز (١). (قالُوا :) أي قال أهل الجنّة : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) (٥٠) : أي الكافرين جميعا من كافر مشرك أو كافر منافق.
(الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ :) أي في الدنيا (لَهْواً :) أي ملهاة يتلاهون به (وَلَعِباً) : أي من جهة اللعب والباطل (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا :) بزخرفها وغرورها (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ :) أي نتركهم في النار (كَما نَسُوا :) أي كما تركوا (لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) : أي كما تركوا العمل للقاء هذا اليوم. وإنّما نسوا من الخير ولم ينسوا من الشرّ ، أي : تركوا من الخير ولم يتركوا من الشرّ.
قال : (وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) (٥١) : يعني أنّه ليس أصحاب النار كلّهم جاحدين. يقول : (وما كانوا) أي ولم يكونوا ، أي : أهل النار جميعا (بإيتنا يجحدون) أي : إنّ من أهل النار الجاحد بآياتنا وغير الجاحد. وهذا حقيقة التأويل ؛ لأنّه قد دخلت النار بغير الجحود ؛ دخلها أكلة الربا ، وراكبو الزنا ، وقاتلو الأنفس ، وآكلو أموال اليتامى وأموال الناس بالباطل ، وغير ذلك من الكبائر الموبقة. والآية جامعة لجميع الكفّار من كافر مشرك وكافر منافق على المعنى الذي فسّرنا. فمن قال : إنّ أهل النار كلّهم جاحدون أكذبه الوجود ، فقد دخلها بغير جحود من وصفنا. ومن قال : إنّهم جميعا غير جاحدين لقول الله (وما كانوا بئاياتنا يجحدون) أي : إنّهم جميعا لم يكونوا جاحدين ، أكذبه الوجود أنّ أهل
__________________
(١) كذا في ق وع : «الخبز». وفي ج ود : «الخير».