قال : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) : أي نبيّن الآيات بالحلال والحرام والأمر والنهي (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣٢) : وهم المؤمنون الذين قبلوا ذلك عن الله. فأمّا المشركون فصدّوا عنه وجحدوه ، والمنافقون فرّطوا وضيّعوا ، ولم يوفّوا بما أقرّوا به من العمل الذي انتقصوه.
ذكر بعضهم قال : كان هذا الحيّ من كندة يطوفون بالبيت وهم عراة ، إلّا أن يستعير أحدهم مئزرا من أهل مكّة فيطوف فيه. فأنزل الله ما تسمعون حتّى انتهى إلى قوله : (قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق) ، وهو ما حرّم أهل الجاهليّة من أموالهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام (١).
قوله : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) : (ما ظهر منها) : العلانية ، وما بطن منها : السّرّ. وقال بعضهم : الزنا ، سرّه وعلانيته. (وَالْإِثْمَ) : المعاصي كلّها (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) : [يعني الظلم] (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) : أي حجّة ، يعني أوثانهم التي عبدوا من دون الله (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٣) : زعموا أنّ الله أمرهم بعبادتها بغير علم جاءهم من الله.
قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣٤) : يعني أنّ القوم إذا كذّبوا رسلهم فجاء الوقت الذي يأتيهم فيه العذاب ، فإنّهم لا يستأخرون ساعة عن العذاب ولا يستقدمون.
قوله : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٥) : هي مثل قوله : (اهبطوا منها جميعا فإمّا ياتينّكم مّنّي هدى) ، والهدى ههنا الرسول (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٨) [البقرة : ٣٨] أي في الآخرة (٢).
ذكر بعضهم أنّه ذكر هذه الآية فقال : ما كان الله ليخلي الأرض لإبليس حتّى لا يجعل
__________________
(١) هذا نوع من التكرار الذي أشار إليه ابن أبي زمنين في مقدّمته لمختصر تفسير ابن سلّام.
(٢) انظر ما سلف من هذا التفسير ، ج ١ ، تفسير الآية ٣٨ من سورة البقرة.