قوله : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (٥٦).
قال الكلبيّ : هؤلاء قوم ممّن كان وادع رسول الله عليهالسلام ، وكانوا ينقضون العهد ، فأمر الله فيهم بأمره فقال :
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) : [أي تظفر بهم] (١) (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٥٧) : أي لعلّ من بقي منهم أن يذّكّر ما فعل بمن عذّب. وقال مجاهد : أهل قريظة مالأوا (٢) على النبيّ يوم الخندق.
وقال الحسن : لعلّهم يؤمنون مخافة أن ينزل بهم ما نزل بالذين نقضوا العهد.
قال بعضهم : كان أنزل في سورة محمّد [الآية : ٤] : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) فكانوا إذا أخذوا أسيرا لم يكن لهم إلّا أن يفادوه ، أو يمنّوا عليه فيرسلوه ، فنسختها هذه الآية : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي : فعظ بهم من سواهم لعلّهم يذّكّرون.
ذكر رجل من خولان قال : كنّا مع عبد الله بن مسعود صاحب النبيّ عليهالسلام في غزوة ، فكان إذا أوتي (٣) بأسارى قال : لعلّ لأحد منهم عندكم عهدا ، فإن قالوا : لا ، قسم أو قتل.
قوله : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) : أي تعلمنّ من قوم خيانة ، أي : نقضا للعهد ، يعني إذا هم نقضوا. كقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) [النساء : ٣٥] أي : وإن
__________________
(١) زيادة من ز ورقة ١٢٠.
(٢) في كلّ المخطوطات : «مالوا على النبي» ، وأثبتّ ما في تفسير مجاهد ، ص ٢٦٦ : «مالأوا على نبيّ الله». وفي تفسير الطبري ، ج ١٤ ص ٢٢ : «مالأوا على محمّد يوم الخندق أعداءه».
(٣) كذا في المخطوطات كلّها : «أوتي» ، وصوابه : «أتي بأسارى». نعم جاء في اللغة العربيّة : آتى به ، ولكن معناه : جازى ؛ وقد جاء في معاني القرآن للفرّاء ، ج ٢ ص ٢٠٥ ما يلي : «وقرأ مجاهد : (آتينا بها) بمدّ الألف ، يريد جازينا بها على فاعلنا وهو وجه حسن». وذلك في قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) [الأنبياء : ٤٧].