السماوات ، وفي كلّ سماء ملائكة ، ولكلّ أهل سماء دعاء وتسبيح وصلاة ، وكلّ أهل سماء فوق سماء أشدّ عبادة وأكثر دعاء وتسبيحا وصلاة من الذين تحتهم ، فكان إبليس في جند من الملائكة في السماء الدنيا. وفي تفسير بعضهم : كان إبليس مع الخزانة في السماء الدنيا : قال : وكانوا أهون أهل السماوات عملا. وكان الجنّ بنو الجانّ الذي خلقه الله من مارج من نار عمّار الأرض ؛ وهو عند الحسن إبليس.
وقال الكلبيّ : فلمّا وقع بينهم التحاسد والفتن اقتتلوا. فبعث الله جندا من السماء الدنيا فيهم إبليس ، وهو رأسهم ، فأمروا أن يهبطوا إلى الأرض فيجلوا منها الجنّ بني الجانّ ، فهبطوا فأجلوهم عن وجه الأرض ، فألحقوهم بجزائر البحور ، وسكن إبليس والجند الذين كانوا معه الأرض ، فهان عليهم العمل فيها ، وأحبّوا المكث فيها. ثمّ أحبّ الله تبارك وتعالى أن يخلق آدم عليهالسلام وذرّيتّه ، فيكونوا هم عمّار الأرض ، فقال للملائكة الذين كانوا في الأرض ، يعني إبليس وأصحابه : إنّي جاعل في الأرض خليفة ورافعكم منها. فوجدوا من ذلك وقالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها كما أفسدت الجنّ ، ويسفك الدماء كما سفكوا ، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك؟ قال : إنّي أعلم ما لا تعلمون. وقد علم أنّه سيكون من بني آدم من يسبّح بحمده ويقدّس له ويطيع أمره. فخلق آدم وصوّره جسدا ينظرون إليه ويعجبون منه ، ولم يكونوا رأوا فيما خلق الله شيئا يشبهه.
ذكروا أنّ إبليس جعل يطوف بآدم قبل أن ينفخ فيه الروح ، فلما رآه أجوف عرف أنّه لا يتمالك. ذكر بعضهم أنّه جعل يطوف به ويقول : إن كنت أجوف فلي إليك سبيل ، وإن لم تكن أجوف فما لي إليك سبيل.
ذكر بعضهم قال : أوّل ما خلق الله في الأرض طير وحوت ؛ فجعل الطير يخبر الحوت خبر السماء ، وجعل الحوت يخبر الطير خبر الأرض. فلمّا خلق الله آدم جاء الطير إلى الحوت فقال : لقد خلق الله اليوم خلقا كذا وكذا. فقال الحوت للطير : فإن كنت صادقا ليستنزلنّك من السّماء وليستخرجنّي من الماء. قال الكلبي : فأشفق إبليس عدوّ الله منه وقال : إنّي لأرى صورة مخلوق سيكون له نبأ. فقال لأصحابه : أرأيتم هذا الذي لم تروا على خلقه شيئا من الخلق إن فضّل عليكم ما تفعلون؟ قالوا : نطيع ربّنا ونفعل ما يأمرنا به. قال إبليس في نفسه : إن فضّل عليّ لا أطيعه ، وإن فضّلت عليه لأهلكنّه. فلمّا نفخ الله الروح في آدم جلس فعطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين.