في مكان كذا وكذا. فانطلق إليه أبوه فأخذه فحفر له سربا ، فواراه فيه ، وسدّ عليه بصخرة مخافة السّباع. وكانت أمّه تختلف إليه وترضعه حتّى فطم وعقل ، فقال لأمّه : من ربّي؟ فقالت : أنا. قال : فمن ربّك أنت؟ قالت : أبوك ، فقال : فمن ربّ أبي؟ فضربته وقالت له : اسكت ، فسكت. فرجعت إلى زوجها فقالت : أرأيت الغلام الذي كنّا نتحدّث به أنّه يغيّر دين أهل الأرض ، فإنّه ابنك. فانطلق أبوه ، فسأله إبراهيم ، قال : يا أبت ، من ربّي؟ قال : أمّك. قال : فمن ربّ أمّي؟ قال : أنا. قال : فمن ربّك؟ فضربه وقال : اسكت.
فلمّا أمسى دنا إبراهيم من باب السرب فإذا الكوكب ـ ويزعم الناس أنّه الزهرة ـ قال : هذا ربّي. وذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٧٦) : أى لا أحبّ ربّا ليس بدائم.
(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) : أى طالعا. وليس هذا من حديث الكلبيّ. (قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ) : أى غابت رفع إبراهيم الصخرة عن باب السرب ثمّ خرج فأتى قومه ، فإذا هم عاكفون على أصنام لهم (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(٧٨) قالوا فمن تعبد؟ قال : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) : والحنيف المسلم ، وقال الحسن : المخلص (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٧٩).
قال الله : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) : قالوا يا إبراهيم أما تخاف من آلهتنا أن تخبلك (١) أو تفسدك وأنت تسبّها؟ فقال : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) : [يعني من هذه الأوثان] (٢) (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما
__________________
(١) في ع : «تختلك» من الختل بمعنى الخديعة. وأصحّ منه ما ورد في د : «تخبلك» من الخبل والخبال. أى : مس وجنون ، وهو المعنى المناسب هنا. وانظر اللسان (خبل) ففيه معان أخرى ، منها : قطع عضو من أعضاء الجسم. ومن عجيب أمر النسّاخ أنّ ناسخ مخطوطة ع كتب : «تختلك» ، وزاد من عنده شرحا للكلمة فكتب : «الختل الغدر». وهذا تصرّف منه ؛ ما كان ينبغي له ذلك.
(٢) زيادة من ز ، ورقة ٩٦.