ـ والتفسير الثاني : هو تفسير محمّد بن عبد الله بن عيسى المرّي الإمام أبو عبد الله الإلبيري المعروف بابن أبي زمنين. وقد ولد ابن أبي زمنين سنة ٣٢٤ ه / ٩٣٥ م ، وتوفّي بإلبيرة سنة ٣٩٩ ه / ١٠٠٨ م (١). ومن مؤلّفاته الكثيرة «مختصر تفسير ابن سلّام» الذي حفظت لنا مكتبة جامعة القرويّين بفاس نسخة مخطوطة منه كاملة (٢).
وقد ذكر المؤلّف الأسباب التي دفعته إلى اختصار تفسير ابن سلّام وبيّن منهجه في الديباجة قائلا : «وبعد فإنّي قرأت كتاب يحيى بن سلّام في تفسير القرآن فوجدت تكرارا كثيرا ، وأحاديث ذكرها يقوم علم التفسير دونها ، فطال بذلك الكتاب ... ، نظرت فيه فاختصرت فيه مكرّره وبعض أحاديثه ، وزدت فيه على غير كتاب يحيى ما لم يفسّره يحيى ، وأتبعت ذلك إعرابا كثيرا ولغة على ما نقل عن النحويّين وأصحاب اللغة السالكين لمناهج الفقهاء في التأويل زائدا على الذي ذكره يحيى من ذلك ...».
ولئن كان ابن أبي زمنين اختصر الكتاب اختصارا مخلّا أحيانا ، ونقص من محتواه كثيرا ، كحذفه لبعض ما يتعلّق بالأحاديث وأقوال الصحابة والتابعين وأخبارهم ، فقد أضاف إلى تفسير ابن سلّام شيئا هامّا وهو الشرح اللغويّ والملاحظات النحويّة أو الصرفيّة التي تزيد الآية بيانا وتوضيحا. ومن مزايا تفسير ابن أبي زمنين أنّ المؤلّف حافظ فيه على الأسانيد فيما ينقل من تفسير ابن سلّام ، وفرّق بين ما هو من أقوال ابن سلّام بقوله : «قال يحيى» ، وبين ما هو من زياداته بقوله : «قال محمّد» (٣).
__________________
(١) انظر : ابن فرحون ، الديباج ، ص ٢٦٩ ، الحميدي ، جذوة المقتبس ، ص ٥٦ ، القاضي عياض ، ترتيب المدارك ج ٢ ص ٦٧٢ ، الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج ١٧ ص ١٨٨ ط بيروت ، الداودي ، طبقات المفسّرين ، ج ٢ ص ١٦١ ، السيوطي ، طبقات المفسّرين ص ٨٩. وكان ممّن روى عن ابن أبي زمنين أبو عمر الداني.
وقد بلغني أنّ الأستاذ محمّد إبراهيم بن محمّد هارون ، من الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة قد حقّق أخيرا كتاب أصول السنّة لابن أبي زمنين ، وقدّم دراسة حوله ؛ ولم أتمكّن من الاطّلاع على هذا العمل الذي لا أشكّ في أنّه مفيد.
(٢) بلغني أنّ هذا المختصر قد حقّق في المغرب تحت إشراف الدكتورة عائشة عبد الرحمن.
(٣) لقد بيّن ابن أبي زمنين طريق روايته لتفسير ابن سلّام أجلى بيان عند ما كتب في المقدّمة ما يلي : «وجميع ما نقلته من كتاب يحيى فقد أخبرني به أبي رحمهالله عن أبي الحسن عليّ بن الحسن عن أبي داود أحمد بن ـ