رجلا فقال له : سر مع هذا الرجل إلى مواطن مزاتة. فجاءهم وأخبرهم القصّة. وتسارعوا فيما يصنعون له ، ويجمعون له من الأموال ، فبسطوا بساطا ، فطفق الرجال والنساء يرمون فيه الدنانير والدراهم وما أمكن كل واحد منهم. فجمع من ذلك مالا كثيرا. فلمّوا أطراف البساط فرفعوه ، فأتوا به هود بن محكّم. فعمد الرجل صاحب الكتب إلى الخمسة دنانير فأخذها وترك الباقي. فقال لهود : أنت أولى به يا شيخ ؛ فإنّ المؤونة عليك كبيرة ممّن يقصدونك ويعترونك.
وفي هذه الرواية تصديق لقول الإمام عبد الوهّاب ، رضي الله عنه : إنّما قام هذا الدين بسيوف نفوسة وأموال مزاتة» (١).
نستخلص من هذه القصّة فضل عالمنا وقيمته بين قومه ، ومركزه بين أفراد قبيلته من هوّارة ، وعظيم منزلته في قبيلة مزاتة المجاورة.
أمّا عن نسبه في الدين وشيوخه الذين جلس إليهم وأخذ عنهم ، فليس لدينا أى علم بأسمائهم إذا استثنينا أباه محكّما. وكذلك الأمر بالنسبة لتلاميذه الذين تلقّوا عنه العلم أو تربّوا على يديه ، لأنّ المصادر التي بين أيدينا لم تشر إلى شيء من ذلك.
وحاولت جاهدا أن أجد إشارة إلى بعض شيوخه في ثنايا تفسيره فلم أعثر على أى واحد منهم.
وأمّا عن سنة وفاة الشيخ هود فلم تذكر أيضا بالتحديد في أى مصدر. وأقدّر أنّها كانت في العقد الثامن أو التاسع من القرن الثالث الهجري ، أى حوالي سنة ثمانين ومائتين. فإنّ كلّ من ذكره من المؤرّخين وكتّاب السير يؤكّد أنّه من علماء الطبقة السادسة : (٢٥٠ ـ ٣٠٠ ه). فهل كان أدرك نهاية الدولة الرستميّة سنة ستّ وتسعين ومائتين للهجرة؟ أنا أستبعد ذلك ، ولكن لا أستطيع أن أجزم بشيء في الموضوع.
هذا كلّ ما أوردته المصادر الإباضيّة عن حياة الشيخ هود الهوّاريّ وعن شخصيته العلميّة ، وهو ـ كما ترى ـ شيء قليل جدّا عن شيخ وصفه بعض المؤرّخين وكتّاب التراجم بأنّه «صاحب التفسير المعروف».
__________________
(١) أبو زكرياء ، كتاب السيرة وأخبار الأئمّة ، ص ٣٦٠. وقد أورد الدرجينيّ هذه القصّة في كتاب الطبقات ، ج ٢ ، ص ٣٩٨ ، باختلاف يسير في ألفاظها ، كما أوردها الشمّاخي في السير ، ص ٣٨١.