قوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٩٩) : وهي الإفاضة من عرفات. رجع إلى الإفاضة من عرفات وهي قبل جمع.
قال بعض المفسّرين : كانت قريش وكلّ ابن أخت لهم وحليف لا يقفون بعرفة ويقولون : نحن أهل الله ، لا نخرج من حرمه : وكانوا يفيضون من المشعر. وكان الناس في الجاهليّة يفيضون من عرفة قبل غروب الشمس ، ومن جمع بعد طلوع الشمس ، فخالف رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الدفعتين جميعا ؛ فأفاض من عرفة بعد غروب الشمس ، ومن جمع قبل طلوع الشمس ، وكانت تلك سنّة إبراهيم وإسماعيل.
قوله : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) : ذكر بعض المفسّرين قال : كان أهل الجاهليّة إذا قضوا مناسكهم ذكروا آباءهم وفعل آبائهم ؛ به يخطب خطيبهم إذا خطب ، وبه يحدّث محدّثهم إذا حدّث ، فأمرهم الله إذا قضوا مناسكهم أن يذكروه كذكرهم آباءهم أو أشدّ ذكرا [يعني بل أشدّ ذكرا] (١).
قوله : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (٢٠٠) : وهم المشركون ، ليس لهم همّة إلّا الدنيا. لا يسألون الله شيئا إلّا لها ، ولا يدعونه أن يصرف عنهم سوءا إلّا لها ، وذلك لأنّهم لا يقرّون بالآخرة ، ولا يؤمنون بها. وقد فسّرنا الخلاق قبل هذا الموضع (٢).
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢٠١) : فهؤلاء المؤمنون. والحسنة في الدنيا ـ في تفسير الحسن ـ طاعة الله ، وفي الآخرة الأجر ، وهو الجنّة. وبعضهم يقول : الحسنة في الدنيا كلّ ما كان من رخاء الدنيا ، ومن ذلك الزوجة الصالحة. وهو الذي في أيدي العامّة من التفسير (٣).
قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) : أى ثواب ما عملوا ، وهي الجنّة. (وَاللهُ
__________________
(١) زيادة من ز. ورقة ٢٧. وانظر ابن عاشور ، تفسير التحرير والتنوير ج ٢ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٧.
(٢) هو بمعنى النصيب والحظّ ، وانظر ما سلف تفسير الآية ١٠٢.
(٣) قال الزمخشريّ في تفسيره الكشّاف ، ج ١ ص ٢٤٨ : «وعن عليّ رضي الله عنه : الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة ، وفي الآخرة الحوراء».