قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٧١) : قال : صمّ عن الحقّ. أى : عن الهدى فلا يسمعونه ، وبكم عنه فلا ينطقون به ، وعمي عنه فلا يبصرونه.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١٧٢) : يعني بالطيّبات الحلال. وذلك لما حرّم أهل الجاهليّة على أنفسهم من الأنعام والحرث. مثل قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا ...) إلى آخر الآية [الأنعام : ١٣٦]. وهو كقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٥٩) [يونس : ٥٩]. فأمر الله المؤمنين أن يأكلوا من طيّبات ما رزقهم ، وأخبرهم أنّه (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) : يعني ذبائح المشركين ، إلّا من كان من أهل الكتاب ؛ قال في سورة المائدة : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [المائدة : ٥] والطعام هاهنا هو الذبائح.
قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) : يأكل حتّى يشبع ولا يتزوّد. وقال بعضهم : يأكل ما يزوّد به نفسه ولا يشبع. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٧٣) : وقال بعضهم : (غَيْرَ باغٍ) : أى في أكله ، (وَلا عادٍ) : أى : لا يتعدّى حلالا إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة قوتا أو قوّة. وقال الحسن : (غَيْرَ باغٍ) : يحمله على أكله ابتغاء الإثم على غير اضطرار منه إليه ، (وَلا عادٍ) : أى : لا متعدّ لما أحلّ الله له من ذلك عند الاضطرار منه إليه ، فيحرمه وهو موضوع عنه. وقال مجاهد : (غَيْرَ باغٍ) : يبغي على الناس ، (وَلا عادٍ) : يقطع عليهم الطريق (١). وكلّ ما تأوّلوه عليه يخرج صحيحا.
ذكروا عن سهل بن عبد الله بن عون (٢) قال : دخلت على الحسن فإذا عنده كتاب كتبه
__________________
ـ يَنْعِقُ) الراعي (بِما لا يَسْمَعُ) من البهائم». وهو صواب وواضح. وقد تكون كلمة «بآلهتهم» صحيحة في محلّها ؛ فيكون المعنى : ومثل الذين كفروا في دعائهم آلهتهم كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ... وهذا هو المعنى الذي أشار إليه الطبريّ فى ج ٣ ص ٢١٢ ـ ٢١٣. ولكنّه لم يرجّحه.
(١) جاءني ز ورقة ٢٣ : «... (وَلا عادٍ) أى : قاطع سبيل ، ولا مفارق الأئمة ولا خارج في معصية الله». وهي نفس الكلمات التي جاءت في تفسير مجاهد ، ص ٩٤.
(٢) لم أجد فيما بين يديّ من كتب الرجال ترجمة لسهل هذا. وقد يكون من تابع التابعين أو من صغار التابعين.