قلت له : أكنتم تكرهون الطواف بينهما؟ قال : نعم ؛ إنّهما كانتا من شعائر الجاهليّة ؛ فلمّا أسلمنا قالوا : يا رسول الله ، هل علينا من حرج إن طفنا بينهما؟ فأنزل الله هذه الآية. قال أنس : والطواف بينهما تطوّع.
وقال بعضهم : كان حيّ لا يطوفون بينهما ، فأمر الله بالطواف بينهما ؛ وكانت ملّة أبيكم إبراهيم وإسماعيل.
ذكر عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، صاحب النبيّ عليهالسلام أنّه قال : لا حجّ لقريب ولا لبعيد إلّا بطواف بين الصفا والمروة (١).
وسئل جابر بن عبد الله : هل تحلّ النساء للرجال قبل الطواف بين الصفا والمروة؟ فقال : لا. وقال جابر : أمّا من كان من أهل الآفاق فإنّه لا يطوف بينهما قبل أن يأتي منى ، وأمّا من كان من أهل مكّة فبعد ما يرجع من منى. ذكروا عن عطاء قال : أهل مكّة يبدأون بمنى ، وأهل الآفاق يبدأون بالطواف.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) : قال الكلبيّ : يعني أهل الكتاب. قال الكلبيّ : أمّا البيّنات فالذي يكتمون من نعت نبيّ الله في كتابهم ، وأمّا الهدى فما آتاهم به أنبياؤهم. وقال بعضهم : كتموا الإسلام وكتموا محمّدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
قال : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (١٥٩) : أى من ملائكة الله والمؤمنين. وقال بعضهم : دوابّ الأرض ؛ والتأويل ما وصفناه أوّلا.
__________________
(١) اختلاف العلماء في السعي بين الصفا والمروة ، هل هور ركن من أركان الحجّ لا يتمّ إلّا به ، أو هو سنّة يجبر بدم ، أو هو تطوّع لا يترتّب على تركه شيء ، اختلاف مشهور. والذي عليه الجمهور أنّه فرض لحديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله كتب عليكم السعي فاسعوا». أخرجه الطبرانيّ عن ابن عبّاس وصحّحه الدارقطني. فقال الشافعيّة والحنابلة والمالكيّة إنّه ركن. وقال الحنفيّة : إنّه سنّة ليس بركن. وذهب بعض الإباضيّة إلى أنّه سنّة يلزم تاركه دم. انظر مثلا : الجيطالي قواعد الإسلام ج ٢ ص ١٥٥. ورجّح بعض المحقّقين من الأصحاب فرضيّته فلا يتمّ حجّ أو عمرة لمن تركه عمدا. انظر خلفان بن جميل السيابي : سلك الدرر ، ج ١ ص ٣٢٠. وانظر : اطفيّش : شرح النيل ، ج ٤ ص ١٤٦ ـ ١٤٨ نشر دار الفتح بيروت ١٣٩٢ ه / ١٩٧٢ م.