الحسن بن موسى النوبختي ، معاصر صاحبنا الاشعري ، والمتوفى بعده ببضع سنوات ، صاحب كتاب فرق الشيعة الذي طبعه المستشرق الالماني هلموت ريتر في الآستانة سنة ١٩٣١ ، واعاد طبعه السيد محمد صادق آل بحرالعلوم في النجف سنة ١٩٣٦ فظلّ من اقدم المصادر ان لم نقل اقدمها لتاريخ فرق الشيعة ودراسة اقوالها. حتي كشف صديقنا العلّامة الاستاذ سعيد نفيسي من اساتذة جامعة طهران ، عن نسخة لكتاب الاشعري هذا في مكتبة خاصة للاستاذ سلطاني شيخ الاسلامي نائب المجلس الوطني الايراني السابق. فهشّ لهذا الاكتشاف علماء الكلام والفرق الاسلامية. وتفرّع لدراسة هذه النسخة الفريدة النادرة الدكتور مشكور فحقّقها ، وضبطها ، وقارن بينها وبين كتاب النوبختي السابق الذكر في الموضوع نفسه ، مشيراً الى زيادات الاشعري على كتاب سابقه وقد كان امامه ، كما يبدو من المقارنة فنقل منه ، واضاف عليه معلومات وشروحا رفعت من قدره ، وجعلته المصدر المفضّل لدى كبار رجال الشيعة الامامية كالكشي والطوسي ، ومن جاء بعدهما ، يعتمدون على اقواله ، وينقلون اكثر المطالب الخاصة بفرق الشيعة منه ، مؤثرينه على النوبختي لان هذا كان على اماميته ، ميالا الى علم الكلام ، فاسلوبه اسلوب التكلم. اما الاشعري فهو المحدّث الفقيه مادة واسلوبا ، وبالتالي الفائز بثقة القدم واطمئنانهم.
وهكذا ظهر كتاب الاشعري من أتم المصادر وأقدمها في دراسات فرق الشيعة المتتابعة طوال القرون الثلاثة الاولى للاسلام. وقد جمع فاوعى ، فصلّ فاوضح عارضاً لمائة واربع عشرة فرقة ، وملّة ، وبدعة. زاده قيمة ما علّقه عليه المحقّق الناشر من شروح وحواش ، وايضاحات وملحقات في شأن تطور تلك الفرق ، في ٢١٢ فقرة تجاوزت حجم الكتاب الاصلي اردفها بفهارس ثمانية للآيات القرآنية ، والاحاديث ، والاصطلاحات ، والقوافي ، والملل والفرق والمذاهب ، ثم لأسماء الرجال والنساء ، وللكنى ، اخيراً وللبلدان ، والمدن والامكنة. فحق له الشكر والفضل.
هذا ومما لفت نظرنا ، على هامش ذكر الفرق وخصائصها المميزة ، ما أورده المؤلف في كلام على ابن المقفع ، من قول طريف ، غريف يخالف ما تناقله المؤرخون في حكاية وفاته من انه قتل على يد سفيان بن معاوية ، والى البصرة ، بعدان مثّل به وشنّع. وهو القول بأن ابن المقفع «الزنديق» مات منتحرا ، لا قتيلا. وهذا كلام المؤلف بعد أن يذكر حادثة الامان الذي كتبه ابن المقفع لعبدالله بن عليّ الخارج على ابن أخيه ، أبي جعفر المنصور. وهو الامان الذي أثار غضب المنصور على ابن المقفع فكتب الى عامله علي البصرة سفيان ـ ويسميه المؤلف سهوا يزيد ـ بن معاوية بقسم بالله وبالايمان المغلظة ، لئن لم يطلب عبدالله بن المقفع. وكان متوارياً مخافة المنصور ، ولم يقتله ، ليقتله ومن يقي من أهل بيته من آل المهلّب «قال الاشعري» فطلبه يزيد ـ يريد : سفيان ابن معاوية فظفر به. واراد حمله الى المنصور فقتل نفسه. قال بعضهم : انه شرب سماً. وقال بعضهم انه خنق نفسه.
هذا هو الخبر الجديد الطريف في انتحار ابن المقفع ولم يذكره اخذ في ما نعلم ، قبل