مقدمة للدكتور فؤاد افرام البستاني
رئيس الجامعة اللبنانية سابقاً
لا يبلغ مؤرخ الديانات هدف دراسته الا اذا احاط الى التعمّق في الدين الذي يؤرخ له ، بالفرق والبدع والمقالات المختلفة التي تفرّعت عنه على كر الايام ، والّا اذا قارن بينها جميعا ، ووازن ، وعادل ، وردها الى جذورها وعناصرها من عقائد الدين الاساسية ، وما أثّر فيها من مذاهب الديانات المجاورة واساليب العبادات المنقولة ، وتيارات الفلسفات المتباينة اصلية ودخيلة. من هنا كان الاهتمام الدائب بدراسة الفرق الاسلامية ، قديمة وحديثة ، لا في ديار الاسلام وحدها ، بل في كل معهد عني بالاسلاميات شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا. ومن هنا اقبال بعض المستشرقين على التخصص بتاريخ الفرق الاسلامية تخصصا كادوا يرون فيه اصحاب البيت أنفسهم.
وغنّى عن البيان ما تفرضه هذه الدراسة من على اقوال اصحاب تلك المقالات ومنشى تلك الفرق والبدع. بيد أن الكثير منها ضائع في تدوينه الاصلي ، أو لا تدوين له. انما نقل بالتواتر جيلاً بعد جيل حتى لخّصه اصحاب المختصرات والمؤلفات في البدع والفرق. فكان لابد من الاطلاع على هذه المؤلفات كآثار الشهرستاني ، والبغدادي وابن حزم وما أشبهها. وقد كان لفرق الشيعة منها خاصّة نصيب وافر من اهتمام العلماء ، لما تفرع عنها وتكاثر من فرق معتدلة واخرى غالبة.
اذا ذكرنا كل هذا ، قدرنا قيمة الكتاب الذي نقدمه اليوم للقارثين الكرام. وهو «كتاب المقالات والفرق» تصنيف سعد بن عبدالله بن ابي خلف الاشعري نسبا ، القميّ موطنا وقد صححه ، وقدم له ، وعلق عليه الدكتور محمد جواد مشكور من اساتذة دار المعلمين العليا بطهران. وهو من اقدم الكتب المصنفة في فرق الشيعة ، اذان صاحبه عاش في غضون القرن الثالث للهجرة وكانت وفاته في حدود سنة ٣٠١ هـ وكان من كبار محدثي الشيعة ومن أشهر علمائها أصولاً وفروعاً وتاريخاً وتصنيفاً. ولم يسبقه في التأليف في موضوعه الا ابو عيسى الورّاق محمد بن هارون صاحب كتاب «اختلاف الشيعة» المتوفى سنة ٢٤٧ هـ. وابو محمد