الاشعری ولا بعده. انما كان القول المتداول في كتب التاريخ والادب عن وفاة ابن المقفع ما اشرنا اليه من ان والي البصرة سفيان بن معاوية ، وهو عدو ابن المقفع اللدود ، قتله بأمر المنصور. وفصل بعضهم كيفية القتل فقالوا ان سفيان رماه في بئر وغطاها بحجر حتى مات. وقال غيرهم : طرحه في بئر النورة بالحمّام ، فاحترق. وقال ابن المدائني ، في ما نقل ابن خلكان انه امر بتنور فسجر ، ثم امر بابن المقفع فقطعت اطرافه عضوا عضوا ، والقيت في التنور وهو ينظر ، حتى اتى على جميع الجسد ثم اطبق عليه التنور ، وقال : «ليس عليّ في المثلة بك حرج ، لانك زنديق ، وقد أفسدت الناس» وروى الجهشياري هذا الحديث بتفصيل اوفى منتهياً الى النتيجة نفسها من المثلة بابن المقفع ، ومن قول سفيان له ، وهو يحرقه ، والله يا ابن الزنديقة لاحرقنك بنار الدنيا قبل نار الآخرة.
قلنا : واقدم مصادرنا المعروفة حتى اليوم ، في امر ابن المقفع ، البلاذري في انساب الاشراف والجهشياري في «الوزراء والكتاب» وكلاهما معاصران للاشعري توفي البلاذري قبله باثنتين وعشرين سنة ، وتوفي الجهشياري بعده بثلاثين سنة. وهما يذكران القتل صراحة ويعمد الجهشياري خاصة الى تحديد ظروف القتل بتلك التفاصيل التي أوردناه فما عسى أن يكون موقف النقد التاريخي بعد اكتشاف نصّ الاشعري القائل صراحة بالانتحار؟ ولعلّ في طلّاب التاريخ الادبي ومر يدي التحقيق التاريخي من يدفع تحرّي هذه المنطقة فيستفيد ويفيد.