الإمام السيوطى (١) :
ذكر هذا الإمام الجليل أمثلة للمتشابه بنوعيه اللفظى والمعنوى فى كتابيه النفيسين (الإتقان فى علوم القرآن ، ومعترك الأقران فى إعجاز القرآن) وتوسع فى الأخير أكثر.
وفيما يلى مقتطفات من مصنفه (معترك الأقران) ؛ للمقارنة بين كلام السيوطى وبين كلام الكرمانى ، ولم نذكر نص الإمام الكرمانى ؛ لأنه هو نفسه كلام السيوطى وتحاشيا للتكرار نشير إلى موضعه فى النسخة الأصلية من كتاب (البرهان) :
مقتطفات من (معترك الأقران):
* قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (٢) :
«فجعل (الَّذِي) مكان قوله فيما بعد (٣) (ما) وزاد (مِنَ) لأن العلم فى الآية الأولى علم بالكمال الذى ليس وراءه علم ؛ لأن معناه بعد الذى جاءك من العلم بالله وصفاته ، فكان لفظ (الَّذِي) أليق به من لفظ (ما) ؛ لأنه فى التعريف أبلغ ، وفى الوصف أقعد ؛ لأن «الذى» تعرّفه صلته ولا يتنكّر قط. ويتقدمه أسماء الإشارة نحو قوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) (٤) (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) (٤) فيكتنفه بيانان : الإشارة والصلة ، ويلزمه الألف واللام. ويثنّى ويجمع وليس ل «ما» شىء من ذلك ؛ لأنه يتنكّر مرة ويتعرف أخرى ، ولا يقع وصفا لأسماء الإشارة ولا يدخله الألف واللام ولا يثنى ولا يجمع.
وخص الثانى ب «ما» ؛ لأن المعنى بعد ما جاءك من العلم بأن قبلة الله هى الكعبة ، وذلك قليل من كثير من العلم ، وزيد معه «من» التى هى لابتداء الغاية ؛ لأن تقديره من الوقت الذى جاءك العلم فيه بالكعبة ؛ لأن القبلة الأولى نسخت بهذه الآيات وليس الأول موقتا بوقت.
وقال فى سورة الرعد : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (٦) : فعبّر ب (ما) ولم يزد «من» هنا ؛ لأن العلم هاهنا هو الحكم العربى ، أى القرآن ، فكان بعضا من الأول ولم يزد «من» ؛ لأنه غير مؤقت : وقريب من معنى القبلة ما فى آل عمران : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (٧)» (٨). راجع كتاب (البرهان) النسخة
__________________
(١) الإمام الجليل الحافظ المفسر المشارك فى كثير من العلوم عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى (٨٤٩ ـ ٩١١ ه) لم يخلف بعده مثله فى الحديث.
(٢) سورة البقرة من الآية : ١٢٠.
(٣) سورة البقرة من الآية : ١٤٥ (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).
(٤) سورة الملك من الآيتين : ٢٠ ، ٢١.
(٦) سورة الرعد من الآية : ٣٧.
(٧) سورة آل عمران من الآية : ٦١.
(٨) معترك الأقران ١ / ٩٠ وقد وضعنا النص موضع المقارنة بين معقوفين.