وفى المؤمن جاء على الأصل ولم يكن فيه موجب تغيير.
قوله تعالى فى هذه السورة : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) (١) بالواو. وفى الشورى : (فَما أُوتِيتُمْ) (٢) ؛ لأنه لم يتعلق فى هذه السورة بما قبله كثير تعلق ، فاقتصر على الواو لعطف جملة على جملة. وتعلق فى «الشورى» بما قبلها أشد تعلق [فاقتضى الفاء] (٣) ؛ لأنه عقب ما لهم من المخافة بما أوتوا من الأمنة والفاء حرف للتعقيب.
قوله تعالى فى هذه السورة : (وَزِينَتُها) وفى «الشورى» : (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) فحسب ؛ لأن فى هذه السورة : ذكر جميع ما يبسط فيه الرزق ، وأعراض الدنيا كلها مستوعبة بهذين اللفظين ، فالمتاع ما لا غنى عنه فى الحياة من المأكول والمشروب والملبوس والمسكن والمنكوح. والزينة ما يتجمل به الإنسان ، وقد يستغنى عنه ؛ كالثياب الفاخرة ، والمراكب الرائقة ، والدور المجصصة ، والأطعمة. وأما فى الشورى فلم يقصد الاستيعاب ، بل ما هو مطلوبهم فى تلك الحالة من النجاة والأمن فى الحياة. فلم يحتج إلى ذكر الزينة.
* قوله تعالى : (إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) (٤). ثم قال بعده : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) (٤) : فقدّم الليل على النهار ؛ لأن ذهاب الليل بطلوع الشمس أكثر فائدة من ذهاب النهار بدخول الليل (٦). ثم ختم الآية الأولى بقوله : (أَفَلا تَسْمَعُونَ) بناء على الليل. وختم الآية الأخرى بقوله : (أَفَلا تُبْصِرُونَ) بناء على النهار ، والنهار مبصر ، وآية النهار مبصرة (٧).
__________________
(١) سورة القصص (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ) الآية : ٦٠.
(٢) سورة الشورى (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الآية : ٣٦.
(٣) ز. فى «ح» ٦٠ / أ.
(٤ ، ٥) القصص (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) الآيتان : ٧١ ، ٧٢.
وفى الآية التفات إلى حتمية تلازم السرمدين : فلو تسرمد الليل لتسرمد النهار : وذلك بأن تواجه الأرض الشمس فى دورانها حولها بوجه واحد ، مع توقّف دوران الأرض حول نفسها. وفيه تنبيه إلى الآيات المترتبة على دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها وما فى ذلك من دلالات باهرة على عظمة خالق الكون ومدبره.
(٦) فى «ح» ١٠٤ / أتعليق أمام هذه العبارة نصه : [قلت : أو قدم الليل لأنه أول ، ومنه : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ). وكذا فى التاريخ كقولك : «فعلته لخمس خلت»].
وما اجتمع الليل والنهار فى آية إلا تقدم الليل.
(٧) تقديم الليل على النهار ليس خاصا بهذه الآية بل هو عام فى كل آية اجتمع فيها ذكر الليل والنهار :