وسأل الخطيب (١) نفسه عن هذه المسائل فأجاب عنها فقال : إن اقتصاص (٢) ما مضى إذا لم يقصد به أداء الألفاظ بأعيانها ، كان اختلافها واتفاقها سواء إذا أدى المعنى المقصود وهذا جواب حسن ، إن رضيت به كفيت / مؤنة السهر إلى السحر.
* قوله تعالى : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) ليس في القرآن غيره ؛ لأنه سبحانه لما بالغ في الحكاية عنه بقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ) الآية ، بالغ في ذمه فقال : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) ، والذأم (٣) أشد الذم.
* قوله تعالى : (فَكُلا) سبق في البقرة (٤).
* قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا) (٥) بالفاء حيث وقع (٦) إلا في يونس (٧) ؛ لأنه [هنا] (٨) جملة عطفت على جملة بينهما اتّصال وتعقيب فكان الموضع موضع الفاء ، وما في يونس يأتى في موضعه ، [إن شاء الله تعالى] (٩).
* قوله تعالى : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) (١٠) فى هذه السورة ، وفي هود : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (١١) ؛ لأن ما في هذه السورة جاء على القياس ، وتقديره : «وهم كافرون بالآخرة» فقدم (بِالْآخِرَةِ) تصحيحا لفواصل الآى.
وفي هود لما تقدم (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) (١٢) ، ثم قال : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ولم يقل : عليهم ، والقياس ذلك لأنه التبس أنهم هم أم غيرهم فكرر وقال : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) ليعلم أنهم هم المذكورون لا غيرهم ، وليس (هم) هاهنا
__________________
(١) درة التنزيل ص ١١٩ ، ١٢٠.
(٢) يعنى حكاية القصص الماضية.
(٣) يقال : ذأم يذأم ذأما : إذا عابه وحقره : فهو مذءوم ، فناسبه [مدحورا] مطرودا مبعدا.
(٤) تقدم ذكر ذلك الكلام على قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا) سورة البقرة من الآية : ٣٥.
(٥) سورة الأعراف (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) الآية : ٣٤.
(٦) يريد التركيب ولا يريد النص ؛ لأن النص لم يتكرر إلا في سورة يونس الآية ٤٩ بدون واو في [لكل] ، وبدون فاء في [إذا] ، وكذا في [لا]. نبهنا على ذلك لأن قوله حيث وقع يوهم الكثرة.
أما إن أريد التركيب فقد وقع في الآية : ٤٧ من سورة يونس (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).
(٧) سورة يونس (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) من الآية : ٤٩.
(٨) زيادة في بعض النسخ وفي البصائر.
(٩) ز. فى «ق» ٢٢ / أ ، وفي «ح» ٢٤ / أ : [إن شاء الله].
(١٠) سورة الأعراف (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) الآية : ٤٥.
(١١) سورة هود (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) الآية : ١٩.
(١٢) سورة هود (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) الآية : ١٨.