فلأن داعية الفاء ما تضمنه النداء من : أدعو أو أنادى نحو [قوله] (١) : (رَبَّنا فَاغْفِرْ) (٢) : أى أدعوك. وكذلك داعية الواو في قوله : (رَبَّنا وَآتِنا) (٣) ، فلما حذف المنادى من هذه السورة انحذفت الفاء.
* قوله تعالى : (قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (٤) فى هذه السورة ، وفي السورتين (قالَ فَإِنَّكَ) (٥) ؛ لأن الجواب ينبنى على السؤال ، ولما خلا السؤال في هذه السورة عن الفاء ، خلا الجواب عنه. ولما ثبت الفاء في السؤال في السورتين ثبت في الجواب.
والجواب في السور الثلاث إجابة وليس باستجابة.
* قوله تعالى : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) (٦) فى هذه السورة ، وفي «ص» : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) (٧) ، وفي «الحجر» : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) (٨) ؛ لأن ما في هذه السورة موافق لما قبله في الاقتصار على الخطاب دون النداء ، وما في الحجر موافق لما قبله في مطابقة النداء ، وزاد في هذه السورة الفاء التى هى لعطف جملة على جملة حيث قال : (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) لتكون (٩) الثانية مربوطة بالأولى (٩) ، ولم تدخل في الحجر فاكتفى (١١) بمطابقة النداء ، لامتناع النداء منه لأنه ليس بالذى يستدعيه النداء ، فإن ذلك يقع مع السؤال والطلب وهذا قسم عند أكثرهم ، بدليل ما في «ص» (فَبِعِزَّتِكَ) ، وخبر عند بعضهم. والذى في «ص» جاء على قياس ما (١٢) فى الأعراف دون «الحجر» ؛ لأن موافقتها أكثر على ما سبق لأنه قال فيهما : (أَنَا خَيْرٌ) الآية. فقال : فبعزتك وهو قسم عند الجميع ، ومعنى (فَبِما أَغْوَيْتَنِي) يؤول إلى معنى فبعزتك ، والله أعلم.
وهذا الفصل في هذه السورة برهان لا مع (١٣).
__________________
(١) ز. فى التيمورية ص ٢٣.
(٢) سورة آل عمران (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) من الآية : ١٩٣.
(٣) سورة آل عمران (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) الآية : ١٩٤.
(٤) سورة الأعراف (قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) الآية : ١٥.
(٥) الحجر الآية : ٣٧ وص الآية : ٨٠.
(٦) سورة الأعراف (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الآية : ١٦.
(٧) سورة ص (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الآية : ٨٢.
(٨) سورة الحجر (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) الآية : ٣٩.
(٩) كذا في «ح» ٢٣ / ب وفي الأصلية : [ليكون الثانى مربوطة بالأول].
(١١) كذا في «ح» ، «ت» ، وفي الأصلية : [واكتفى] والأول أليق.
(١٢) فى «ح» ٢٣ / ب [ما بين] بدلا من قوله هنا في الأصلية : [قياس ما].
(١٣) فى «ت» ص ٢٣ : [جامع] ، والقراءة تصح بهما.