السَّاجِدِينَ. قالَ ما مَنَعَكَ) (١) فحسن حذف حرف النداء والمنادى. ولم يقرب في «ص» قربه منه في هذه السورة ؛ لأن في «ص» : (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٢) بزيادة استكبر ، فزاد حرف النداء والمنادى وقال : (يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ).
وكذلك في «الحجر» فإن فيها : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (٣) بزيادة «أبى» فزاد حرف النداء والمنادى فقال : (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ).
* قوله تعالى : (أَلَّا تَسْجُدَ) ، وفي «ص» : (أَنْ تَسْجُدَ) ، وفي الحجر : (أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) ، فزاد في هذه السورة (لا).
وللمفسرين في (لا) أقوال : قال بعضهم : (لا) صلة ، كما في قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) (٤). وقال بعضهم : الممنوع من الشيء مضطر إلى خلاف ما منع منه. وقال بعضهم معناه : ما الذى جعلك في منعة من عذابى؟ وقال بعضهم معناه : من قال لك لا تسجد (٥)؟
__________________
(١) الأعراف (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) الآية : ١١.
(٢) سورة ص الآية : ٧٤.
(٣) الحجر (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ. قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) الآيات : ٣٠ ـ ٣٤.
(٤) سورة الحديد (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الآية : ٢٩.
(٥) قال الفراء : [(ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) : المعنى والله أعلم : أن تسجد. و «أن» فى هذا الموضع تصحبها «لا» وتكون «لا» صلة ، كذلك تفعل بما كان في أوله جحد. وربما أعادوا على خبره جحدا للاستيثاق من الجحد والتوكيد له ...] إلى أن قال : [ومثله : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ١٠٩ : الأنعام ، ومثله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ٩٥ : الأنبياء ، ومثله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ) ٢٩ : الحديد]. إلى أن قال :
[وقوله : (ما مَنَعَكَ) : «ما» موضع رفع : ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كان رفعا : وقلت : منعنى منك أنك بخيل. وهو مما ذكر جوابه على غير بناء أوله. فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ولم يقل : «منعنى من السجود أنى خير منه» كما تقول في الكلام «كيف بت البارحة؟». فتقول : «صالح» فيرفع ، أو تقول أنا بخير. فيستدلّ به على معنى الجواب. ولو صحح الجواب لقال : «صالحا» أى «بت صالحا»]. معانى القرآن ١ / ٣٧٤.
وقال البيضاوى : «لا» صلة مؤكدة من الفعل الذى دخلت عليه ومنبهة على أن الموبّخ عليه ترك السجود ، وقيل : الممنوع عن الشيء مضطر إلى خلافه فكأنه قيل : «ما اضطرك إلى ألا تسجد إذ أمرتك» أنوار التنزيل ص ٢٠٠.