ما قبله وما بعده أفعال ، وكذلك (١) فى الروم ويونس قبله وبعده أفعال ، فتأمل فيه فإنه من معجزات القرآن.
* قوله تعالى : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٢) ، ثم كرر فقال : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٢) ، وذكر بعدهما : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢) ؛ لأن من أحاط علما بما في الأولى (٥) صار عالما : لأنه أشرف العلوم فختم [بقوله] (٦) : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
والآية الثانية مشتملة على ما يستدعى تأملا وتدبرا ، والفقه علم يحصل بالتفكر (٧) والتدبر ، ولهذا لا يوصف الله سبحانه به ، فختم الآية بقوله : (يَفْقَهُونَ).
ومن أقر بما في الآية الثالثة صار مؤمنا حقا فختم الآية بقوله : (يُؤْمِنُونَ) : حكاه أبو مسلم عن الخطيب (٨).
__________________
(١) كذا في «ح» ٢٠ / أوفي الأصلية : [فكذلك] والأول أصح.
(٢) سورة الأنعام (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الآيات : ٩٧ ـ ٩٩.
(٥) كان الأولى أن يضيف إلى ذلك [وما اتصل بها من الآيات] من قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) الآية ٩٥ والآية ٩٦ ، وهما متصلتان بالآية ٩٧ ، وكلها في بيان صفات الله عزوجل وقدرته سبحانه وتعالى ورحمته بخلقه ، وتواتر نعمه جل ثناؤه عليهم. فمن نظر إلى الدنيا من هذا الوجه وربط ما فيها من العلوم بالله تعالى مقتديا في ذلك بالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم ، كان عالما.
(٦) زيادة في «ح» ٢٠ / ب ، والبصائر ١ / ١٩٦.
(٧) فى الأصلية و «ق» ١٨ / ب ، «د. م» ٢٠ / أ : [بالفكر].
(٨) كذا في «ح» ٢٠ / ب ، وفي الأصلية : [خطيب] والأول أصح. وفيما يلى عبارة الخطيب :
[إن قوله : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) جاء بعد آيات نبهت على معرفة الله تعالى وهى من قوله : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) إلى قوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) فكان جميع ذلك دالا على العلم بالله وبوحدانيته وهو أشرف معلوم. ولا لفظ من ألفاظ [يعقلون] و [يفقهون] و [يشعرون] إلا ولفظة [يعلمون] أعلى منه ، ولذلك صحت في الخبر عن الله تعالى ولم يصح فيه غيرها من الألفاظ التى ذكرت. فلما كان المعلوم أشرف المعلومات عبّر عن الآيات التى نصبت للدلالة عليه باللفظ الأشرف. وأما ما استعمل فيه [يفقهون] فهو بعد قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) فأخبر عن ابتدائه الإنسان وإنشائه إياه ، نبه بما أراه من تنقله من حال إلى حال من عدم إلى وجود ، ومن مكان إلى مكان ، من صلب إلى رحم ، ومن بطن أم إلى وجه الأرض ، ومن وجه الأرض إلى بطنها ، على أنه كما نقل من موت إلى حياة ، ومن حياة إلى موت ،