المغفرة والجنات والخلود فيها.
* قوله تعالى : (رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١) بزيادة الأنفس ، وفى غيرها : (رَسُولاً مِنْهُمْ) (٢) ؛ لأنه سبحانه منّ على المؤمنين منّة به فجعله من أنفسهم / ليكون بموجب المنة أظهر. وكذلك قوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (٣) لما وصفه بقوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) : جعله من أنفسهم ليكون موجب الإجابة والإيمان به أظهر وأبين.
* قوله تعالى : (جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ) (٤) : فى هذه السورة بباء واحدة إلا فى قراءة ابن عامر (٥).
وفى فاطر : (بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ) (٦) بثلاث باءات ؛ لأن ما فى هذه السورة وقع فى كلام بنى على الاختصار : وهو إقامة لفظ الماضى فى الشرط مقام لفظ المستقبل. ولفظ الماضى أخف. وبناء الفعل للمجهول ، فلا يحتاج إلى ذكر الفاعل وهو قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ). كذلك حذف الباءان ليوافق الأول فى الاختصار.
بخلاف ما فى فاطر : فإن الشرط فيه بلفظ المستقبل. والفاعل مذكور مع الفعل وهو قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ثم ذكر بعدها الباءات ليكون كله على نسق
__________________
(١) سورة آل عمران (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) من الآية : ١٦٤.
(٢) قوله تعالى : (رَسُولاً مِنْهُمْ) جاء فى المواضع التالية : سنام القرآن : ١٢٩ ، المؤمنون : ٣٢ ، الجمعة : ٢.
وإذا سبقه فعل من (البعث) جاء بعده تلاوة الآيات وتعليم الكتاب والحكمة والتزكية فتأمله فإنه من عجائب القرآن العظيم وبراهينه الساطعة. وليس فى القرآن العظيم (رَسُولاً مِنْكُمْ) إلا فى سنام القرآن (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) الآية : ١٥١.
(٣) سورة التوبة : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) الآية : ١٢٨.
(٤) سورة آل عمران : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) الآية : ١٨٤.
(٥) قرأ ابن عامر : (وَالزُّبُرِ) بإعادة الجار للدلالة على أنها مغايرة للبينات ؛ لأن إعادة العامل يقتضى المغايرة ولولاها لجاز أن يكون من عطف الخاص على العام. و (بِالْبَيِّناتِ) المعجزات الواضحات الباهرات. و (الزُّبُرِ) جمع (زبور) مثل رسول ورسل : وهو الكتاب المقصور على الحكم والمواعظ والزواجر. وانظر : القرطبى ٤ / ٢٩٦ ، والألوسي ٤ / ٢٢١.
(٦) سورة فاطر : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ). الآية : ٢٥.