وعيد عطف عليه وعيد آخر فى الآية الأولى : فإن قوله : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) معناه مصيركم إليه ، والعقاب معدّ لديه ، فاستدركه فى الآية الثالثة بوعد وهو قوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) والرأفة أشد الرحمة. قيل : ومن رأفته تحذيره.
* قوله تعالى : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) (١).
قدّم فى هذه السورة ذكر الكبر ، وأخّر ذكر المرأة. وقال فى [سورة] (٢) مريم (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (٣) فقدم ذكر المرأة وأخّر ذكر الكبر : لأن فى (مريم) قد تقدم ذكر الكبر فى قوله : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (٤). وقد تأخر ذكر المرأة فى قوله : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) (٤). ثم أعاد ذكرهما فأخر (٦) ذكر الكبر ليوافق (عِتِيًّا) [فواصل] (٧) ما بعدها من الآيات وهى (سَوِيًّا) (٨) (وَعَشِيًّا) (٨) و (صَبِيًّا) (٨).
* قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) (١١). وفى مريم : (قالَتْ أَنَّى يَكُونُ
__________________
= العظيم (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) إلا فى هذين الموضعين.
والآية الأولى تقدمها نهى المؤمنين عن موالاة الكفار من دون المؤمنين (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) باستثناء التقاة فناسبه (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ). ولما بين عزوجل أن المصير إليه ، بين فى الآية الثانية أنه عزوجل لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء وأنه قادر على كل شىء ، فاتصلت الآية الثالثة بإحاطة علمه عزوجل وأنه لا يخفى عليه ما ظهر وما بطن مع قدرته على كل شىء ، وأن كل نفس ستجد ما عملته محضرا فلا مهرب منه سبحانه فناسب ذلك (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ).
(١) آل عمران (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) الآية : ٤٠.
(٢) زيادة فى بعض النسخ.
(٣) سورة مريم (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا. قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) الآيتان : ٨ ، ٩.
(٤) سورة مريم من الآيتين ٤ ، ٥ على التوالى.
(٦) كذا فى البصائر ١ / ١٦٢ وفى الأصلية : [وأخر].
(٧) زيادة يقتضيها السياق ولو حذفت هذه الزيادة لالتبس المعنى : بتوجيهه إلى موافقة [عتيا] لمعانى الآيات لا فواصلها.
(٨) فواصل الآيات ١٠ ، ١١ ، ١٢ من سورة مريم.
(١١) سورة آل عمران (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) الآية : ٤٧.
لم يذكر المصنف رحمهالله تعالى المتشابه فى الآيتين ٤٠ ، ٤٧ من هذه السورة ، وهو قوله تعالى فى =