* قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً). وفى المائدة : (لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً) ؛ لأن العلم أبلغ درجة من العقل ولهذا جاز وصف الله به ، ولم يجز وصفه بالعقل. وكانت دعواهم فى المائدة أبلغ لقولهم : (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ، فادعوا النهاية بلفظ : (حَسْبُنا) ، فنفى ذلك بالعلم وهو النهاية. قال فى البقرة : (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا) ولم يكن النهاية فنفى بما هو دون العلم لتكون كل دعوى منفية بما يلائمها (١).
* قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) (٢) ، قدّم (به) فى هذه السورة وأخره فى المائدة (٣) والأنعام (٤) والنحل (٥) ؛ لأن تقديم الباء : الأصل ، فإنه يجرى مجرى الألف (٦) والتشديد في التعدّى. فكان كحرف من الفعل ، فكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل ليعلم ما يقتضيه اللفظ.
ثم قدم فيما سواه ما هو المستنكر وهو الذبح لغير الله ، وتقديم ما هو الغرض أولى ، ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل. والحال على ذى الحال. والظرف على العامل فيه إذا (٧) كان ذلك أكثر الغرض فى الإخبار.
* قوله فى هذه السورة (٨) (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وفى السور الثلاث بحذفها ؛ لأنه لما قال فى الموضع الأول : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) صريحا ، اكتفى فى غيره تضمينا لأن قوله : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) يدل على أنه لا إثم عليه.
__________________
(١) كذا فى البصائر ، وعبارة الأصلية : [ليكون كل دعوى منفيا بما يلائمه] والأول أولى.
(٢) سورة البقرة (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية : ١٧٣.
(٣) سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) إلى قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية الثالثة من السورة.
(٤) سورة الأنعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية : ١٤٥.
(٥) سورة النحل (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية : ١١٥.
(٦) يعنى همزة التعدية.
(٧) كذا فى البصائر ١ / ١٥١ ، وفى الأصلية : [إذ] والأول أليق بالسياق.
(٨) الأولى أن يقول فى هذه الآية لأن الكلام ما زال متصلا بها ولم ينتقل إلى آية أخرى.