وفسّر بعضهم قوله [تعالى] : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (١) : أى اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم و [لا] (٢) تأخير. وجاء النكير على من قرأه معكوسا (٣).
ولو حلف إنسان أن يقرأ القرآن على الترتيب لم يلزمه إلا على هذا الترتيب. ولو نزل (٤) القرآن جملة واحدة (٤) كما اقترحوا عليه (٦) بقولهم (٧) : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (٨) لنزل على هذا الترتيب. وإنما تفرقت سوره وآياته نزولا ؛ لحاجة الناس [إليها] (٩) حالة بعد حالة [ومرة بعد أخرى] (٩) ولأن فيه الناسخ والمنسوخ ولم يكونا (١١) ليجتمعا نزولا. وأبلغ الحكم فى تفرّقه ما قاله سبحانه : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) (١٢) وهذا أصل. تبنى عليه مسائل ، والله أعلم.
* قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (١٣) : بزيادة (مِنْ) فى هذه السورة ، وفى غيرها (١٤) (بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) ؛ لأن «من» تدل على التبعيض ، ولما كانت هذه السورة
__________________
(١) سورة المزمل الآية : ٤.
(٢) زيادة فى «ح» ٤ / أ ، وكذا فى «مد».
(٣) فى «ح» : [منكوسا] ٤ / أ.
ولا يقصد بالتنكيس فى القراءة الابتداء من آخر السورة والانتهاء إلى أولها. قال الإمام النووى فى التبيان : [وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعا متأكدا فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز ويزيل حكمة ترتيب الآيات.Oو قال أيضا : [قال العلماء : الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف ...
ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلى الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها : جاز. فقد جاءت بذلك آثار كثيرة ، وقد قرأ عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى الركعة الأولى من الصبح بالكهف وفى الثانية بيوسف. وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف. وروى ابن أبى داود عن الحسن أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه فى المصحف] أه. من التبيان فى آداب حملة القرآن ص ٤٨ ـ ط القاهرة.
وراجع فى ذلك أيضا : نيل الأوطار للإمام الشوكانى ٢ / ٢٥١ وما بعدها ط بيروت ١٩٧٣ م.
(٤) كذا فى «ح» ، وفى الأصلية : «ولو نزلت جملة».
(٦) صلوات الله وسلامه عليه.
(٧) كذا فى «د. ت» ، وفى الأصلية : [بقوله].
(٨) سورة الفرقان (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) الآية : ٣٢.
(٩) زيادة فى «ح» ٤ / أ.
(١١) كذا بعض النسخ ، وفى الأصلية : [يكن].
(١٢) سورة الإسراء من الآية : ١٠٦.
(١٣) سورة البقرة من الآية : ٢٣.
(١٤) فى البصائر : [وفى غير هذه السورة بدون «من»] ١ / ١٣٩.
قلت : آيات التحدى نزلت فى ست سور منها خمس مكية وهى بحسب ترتيب نزولها : سورة القصص : ٤٩ ، الإسراء : ٥٠. وقال ابن عبد البر : كان بين الإسراء وبين الهجرة سنة وشهران سورة يونس ٥١ ، سورة هود : ٥٢ ، سورة الطور : ٧٦.
وسورة مدنية هى سنام القرآن العظيم وأول سورة نزلت فى المدينة.
ويلاحظ أن التحدى قد تتابع ما بين السور ٤٩ : ٥٢ وهى فترة اشتداد البلاء عليه صلوات الله وسلامه عليه بعد وفاة أبى طالب وأم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله عنها ، وكانت وفاتهما فى عام واحد : وكانت وفاة أبى طالب فى رمضان سنة ١٠ للبعثة ، وتوفيت رضى الله تعالى عنها بعده بثلاثة أيام