سنام (١) القرآن وأوله بعد الفاتحة : حسن دخول «من» فيها ليعلم أن التحدى (٢) واقع على جميع سور القرآن من أوله إلى آخره.
__________________
فيما رواه ابن قتيبة والبيهقى ، أو قبله بنحو خمس وثلاثين ليل حسب رواية الواقدى.
(١) هو من أسماء سورة البقرة كما جاء فى الحديث الشريف الذى
أخرجه الإمام أحمد فى مسنده عن معقل ابن يسار عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «البقرة سنام القرآن وذروته».
والترمذى عن أبى هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم «لكل شىء سنام وإن سنام القرآن البقرة» ، قال الهيثمى فى مجمع الزوائد : وأخرجه الطبرانى وأبو حاتم وابن حبان فى صحيحه وأخرجه الدارمى عن ابن مسعود فى فضائل القرآن : ٢ / ٤٤٧.
(٢) تدرج التحدى حسب نزول آياته :
أ ـ بدأ بمطالبتهم بالإتيان بكتاب من عند الله تعالى هو أهدى مما أوتى موسى ومن القرآن الكريم :
(قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة القصص الآية : ٤٩.
ب ـ إعلامهم بأن العالمين مجتمعين لا يستطيعون الإتيان بمثل هذا القرآن وهو تحد عام للإنس والجن :
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) سورة الإسراء الآية : ٨٨. وكان هذا توطئة للانتقال بهم إلى تحديهم بسور منه.
قال ابن عبد البر : كان بين الإسراء والهجرة سنة وشهران.
ج ـ التحدى فى الإتيان بسورة مثله والاستعانة بمن استطاعوا من دون الله عزوجل :
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة يونس الآية : ٣٨.
د ـ التحدى بعشر سور مثله مفتريات كما زعموا :
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة هود الآية : ١٣.
ولما كانت سورة هود قد نزلت بعد مضى عشر سنوات للبعثة فناسب تحديهم بعشر سور : أى سورة فى مقابل كل سنة ، وكان عدد السور التى نزلت خلال هذه السنوات العشر [خمسين سورة] مكية.
ولما كان التحدى فى الإتيان بالمماثلة مطلقا أضيق عليهم ، وسع عليهم فى سورة هود وقابل دعواهم لافتراء بمطالبتهم بسور مثله مفتريات وأطلق لهم الاستعانة بمن شاءوا من دونه عزوجل.
ه ـ التحدى فى الإتيان بحديث مثله وهو آخر تحد نزل بمكة :
(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ. أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) سورة الطور الآيات : ٣٣ ـ ٣٦.
والالتفات فى هذا التحدى إلى منكرى الكتب الإلهية أشد ولذا قال بعده : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) الآيات.
و ـ إعلام للعالمين بعجزهم عن الإتيان بمثل القرآن وهذا الإعلام ختم التحدى فى أول سورة نزلت بالمدينة. وهذا الختم جاء بعد أن استقصت آيات التحدى جميع صوره التى يزول معها كل عذر فى عدم الاستجابة له (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) سورة البقرة : ٢٣ والالتفات فى آية طولى الزهراوين إلى أهل الكتاب أشد لأن ادعاء القدرة على الإتيان بالمثل صادر عنهم لاعتقادهم أن ذلك ممكن من كتب العهدين القديم والجديد. ولا يتصور ادعاء وجود المثل إلا من معترف بالكتب الإلهية منكر للقرآن العظيم. وهنا نكتة إعجاز فاتت على الكثيرين ، وهى أن الإتيان بسورة يتطلب وجود المثل الذى انتزعت منه السورة ، وهو ما لا تطيقه جميع