العبادة فى الآية : التوحيد ، والتوحيد أول ما يلزم العبد من المعارف ، فكان هذا أول خطاب خاطب الله به الناس فى القرآن ، فخاطبهم بما لزمهم (١) أولا ، ثم ذكر سائر المعارف وبنى عليها العبادات فيما بعدها من السور والآيات.
فإن قيل : ليست سورة البقرة بأول (٢) القرآن نزولا فيحسن فيها ما ذكرت؟ قلت : أول القرآن سورة الفاتحة ثم [سورة] (٣) البقرة ثم [سورة] (٣) آل عمران على هذا الترتيب إلى سورة الناس ، وهكذا هو عند الله فى اللوح المحفوظ. وهو على هذا الترتيب كان يعرض ـ عليه الصلاة والسلام ـ على جبريل ـ عليهالسلام ـ كل سنة ما كان يجتمع عنده منه / وعرضه (٥) ـ عليه الصلاة والسلام ـ عليه فى السنة التى توفى فيها مرّتين ، وكان آخر الآيات نزولا [قوله تعالى] (٦) : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (٧) فأمره جبريل أن يضعها بين آيتى الربا والدّين (٨).
وذهب جماعة من المفسرين إلى أن قوله [تعالى] (٩) فى [سورة] (٩) هود : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (١١) معناه : مثل «البقرة» إلى سورة «هود» وهى العاشرة ، ومعلوم أن سورة هود مكية وأن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة : مدنيات نزلن بعدها (١٢).
__________________
(١) كذا فى «ح» ٣ / ب ، «مد» ، وهو الأصوب. وفى الأصلية : [ألزمهم].
(٢) كذا فى «مد» ٤ / ب ، «ق» ٣ / أ ، «د. م» ٣ / ب ، وفى الأصلية : [سورة البقرة ليست من أول ... إلخ والقراءة تصح بهما].
(٣) زيادة فى «ح» ٣ / ب.
(٥) كذا فى «د. ت» ، وفى «مد» ٥ / أ. وفى الأصلية : [وعرض].
(٦) زيادة فى «ح» ٤ / أ.
(٧) من سورة البقرة والآية بتمامها (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الآية : ٢٨١.
والمصنف ساق القول بما يفيد الجزم بأنها آخر القرآن نزولا. مع أن الروايات قد تعددت فى هذا الشأن. فبعضها يقول : إن آخر آية نزلت هى هذه الآية الكريمة ، وبعضها يقول : إنها آية الربا ، وبعضها يقول : إنها آية (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ) إلى آخر سورة التوبة. وموضع بحث ذلك كتب التفسير : وراجع القرطبى : الجامع لأحكام القرآن ٣ / ٣٧٥ ط. دار الكتب بالقاهرة ، وتفسير الحافظ ابن كثير ١ / ٣٣٣ ط الحلبى. وروح المعانى للآلوسى ٢ / ٧٨ ط الحلبى بمصر.
(٨) يعنى آيات الربا فى سورة البقرة من الآية ٢٧٥ إلى ٢٨٠ ، وآية الدين تلت آية : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ). وآية الدين هي الآية ٢٨٢ من سورة البقرة وهى أطول آية فى القرآن الكريم.
(٩) زيادة فى «ح» ٤ / أ.
(١١) سورة هود من الآية : ١٣.
(١٢) فى النسخة «ح» تعليق فى الحاشية على هذه العبارة نصه : [فكيف يكون معناه مثل البقرة إلى سورة هود؟ فهو رد لهذا المذهب المتقدم] ٤ / أيعنى أن المصنف ساق هذا التأويل ثم رد عليه.