شطرهم لما أخذوا بالعذاب ، وأن قريشا إنما عصموا من تعجيل العذاب ببركة من آمن منهم. وعلى أن (كان) زائدة يكون الضمير لقريش ، كما تقدم. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
الإشارة : قوله : (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) ؛ أنكر عليهم ركونهم إلى الدنيا وزخارفها الغرارة ، واطمئنانهم إليها ، وهو غرور وحمق ؛ إذ الدنيا كسحابة الصيف ، تظل ساعة ثم ترتحل ، فالدنيا عرض حائل ، وظل آفل ، فالكيّس من أعرض عنها ، وتوجه بكليته إلى مولاه ، صبر قليلا وربح كثيرا ، والأحمق من وقع فى شبكتها ، حتى اختطفته منيته ، وفى الحديث : «الدّنيا دار من لا دار له ، ومال من لا مال له ، لها يجمع من لا عقل له ، وعليها يعادى من لا علم عنده» (١).
ثم ذكر قصة لوط عليهالسلام فقال :
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥))
يقول الحق جل جلاله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ...) إلخ ، وهو ظاهر ، ثم قال : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) ، أراد بالعالمين : الناس ، أي : أتطؤون الناس مع كثرة الإناث ، أو : أتطؤون أنتم من بين سائر العالمين الذكران ، وتختصون بهذه الفاحشة (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ) من الإناث. أو : ما خلق لكم ؛ لأجل
__________________
(١) تقدم تخريجه عند إشارة الآية ٧ من سورة الكهف.