استمتاعكم من الفروج ، (مِنْ أَزْواجِكُمْ) ، فمن للبيان ، إن أريد ب «ما» : جنس الإناث ، وهو الظاهر ، وللتبعيض ، إن أريد بها العضو المباح منهن ، تعريضا بأنهم يفعلون ذلك بنسائهم أيضا ، وفيه دليل تحريم أدبار الزوجات والمملوكات ، ومن أجاز ذلك قد أخطأ خطأ عظيما. (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أي : متعدون ، والعادي : المتعدى فى ظلمه ، المتجاوز فيه الحد ، أي : أنتم قوم أحقاء بأن توصفوا بالعدوان ؛ حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة ، التي لم يرتكبها أحد قبلكم ، ولو من الحيوانات البهيمية.
(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن إنكارك علينا وتقبيح أمرنا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) من بلدنا ، أي : من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا ، وطردناه من بلدنا. ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوأ حال. (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) ؛ من المبغضين غاية البغض ، كأنه يقلى الفؤاد والكبد من شدته. والقلى : أشدّ البغض ، وهو أبلغ من أن يقول : لعملكم قال ، فقولك : فلان من العلماء ، أبلغ من قولك : فلان عالم ؛ لأنك تشهد بأنه مساهم لهم فى العلم. وفى الآية دليل على قبح معصية اللواط ؛ ولذلك أفتى مالك بقتل فاعلها.
ثم قال : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) ؛ من عقوبة عملهم ، (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) يعنى : بناته ، ومن آمن معه ، (إِلَّا عَجُوزاً) هى امرأته ، وكانت راضية بذلك ، والراضي بالمعصية فى حكم العاصي ، ولو لم يحضر. واستثناؤها من الأهل ؛ لأنها داخلة فيه ـ ولو لم تكن مؤمنة ـ ؛ لاشتراكها فى الأهلية بحق الزواج. بقيت (فِي الْغابِرِينَ) ؛ فى الباقين فى العذاب ، وهى صفة لها. والغابر فى اللغة : الباقي ، كأنه قيل : إلا عجوزا غابرة ، أي : مقدّرا غبورها ؛ إذ الغبور لم يكن صفتها وقت نجاتهم.
(ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أي : أهلكناهم أشد إهلاك وأفظعه ، (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) أي : مطرا غير معهود. وعن قتادة : أمطر الله على شذّاذ القوم ، أي : الخارجين عن البلد ـ حجارة من السماء فأهلكهم ، وقلب المدينة بمن فيها. وقيل : لم يرض بالقلب فقط حتى أتبعهم مطرا من حجارة ، (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) أي : قبح مطر المنذرين مطرهم ، فالمخصوص محذوف. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) ، بل لم يؤمن به إلا بناته وناس قليلون. أو : ما كان أكثر قريش بمؤمنين بهذا ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب ، (الرَّحِيمُ) ؛ حيث لم يعاجل بالعقوبة لمن استحقها.
الإشارة : من شناعة هذه المعصية حذّر الصوفية من مخالطة الشبان ، وكذلك النساء. وما أولع فقير بمخالطتهما فأفلح أبدا ، إن سلم من الفاحشة اتّهم بها ، ولا يحل لا مرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقف مواقف التهم. والنظر إلى محاسن النساء والشبان فتنة ، وهى كالعقارب ، الصغيرة تلدغ ، والكبيرة تلدغ ، فالسلامة البعد عن ساحتهن ، إلا على وجه أباحته الشريعة ، كالتعليم أو التذكير ، مع غضّ البصر ، أو حجاب بينه وبينهن ، وبالله التوفيق.