(عاصِفَةً) شديدة الهبوب ، من حيث إنها كانت تقطع مسافة بعيدة فى مدة يسيرة ، وكانت رخاء فى نفسها ، طيبة ، وقيل : كانت رخاء تارة ، وعاصفة أخرى ، على حسب ما أراد منها. أو رخاء فى ذهابه وعاصفة فى رجوعه ؛ لأن عادة المسافرين : الإسراع فى الرجوع ، أو عاصفة إذا رفعت البساط ورخاء إذا جرت به.
(تَجْرِي بِأَمْرِهِ) ؛ بمشيئة سليمان ، (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) بكثرة الأنهار والأشجار والثمار ، وهى الشام. وكان منزله بها ، وتحمله إلى نواحيها. قال وهب : كان سليمان إذا خرج من منزله عكفت عليه الطير ، وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره ، وكان غزّاء ؛ لا يقصر عن الغزو ، فإذا أراد غزوا أمر فضرب له بخشب ، ثم ينصب له على الخشب ، ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة الحرب ، فإذا حمل معه ما يريد أمر العاصف فدخلت تحت الخشب فاحتملته ، فإذا استقلت ، أمر الرخاء فمرت به شهرا فى روحته وشهرا فى غدوته ، إلى حيث أراد. ه. (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) أي : أحاط علمنا بكل شىء ، فنجرى الأشياء على ما سبق به علمنا ، واقتضته حكمتنا.
(وَمِنَ الشَّياطِينِ) ، قيل : لمّا ذكر تسخير الريح ـ وهى شفافة لا تعقل ـ ذكر ما هو شفاف يعقل ، وهم الشياطين ، مع سرعة الحركة فى الكل ، أي : وسخرنا له من الشياطين (مَنْ يَغُوصُونَ) فى البحار ، ويستخرجون (لَهُ) من نفائسه ، كالدر والياقوت ، (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) أي : غير ما ذكر ؛ من بناء المدن والقصور والمحاريب والتماثيل والقدور الراسيات ، وقيل : الحمام ، والنورة ، والطاحون ، والقوارير ، والصابون ، مما استخرجوه له ، (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) أن يزيغوا عن أمره ، أو يبدلوا ، أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه ، على ما هو مقتضى جبلتهم. وقال الزجاج : كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا ، وكان دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوه بالنهار. وقيل : وكّل بهم جمعا من الملائكة ، وجمعا من مؤمنى الجن. روى أن المسخّر له عليهالسلام : كفارهم ، لا مؤمنهم ؛ لقوله تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ). والله تعالى أعلم.
الإشارة : قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) ، قال الورتجبي : بيّن ، سبحانه ، أن الفضل متعلق بفضله ، لا يتعلق بالصغر والكبر والشيخوخة والاكتساب والتعلم ، إنما الفهم تعريف الله أحكام ربوبيته بنور هدايته ، وإبراز لطائف علومه الغيبية ، فحيث يظهر ذلك فهناك مواضع الفهوم من العلوم ، فهو سبحانه منّ على سليمان بعلمه ، ولم يمنّ عليه بشىء خارج عن نفسه ؛ من الملك ، والحدثان أفضل من العلم ؛ فإنّ العلم صفة من صفاته تعالى ، فلمّا جعله متصفا بصفاته منّ عليه بجلال كبريائه. ه. وقال فى قوله : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) : حكما ؛ معرفة بالربوبية ، وعلما بالعبودية. ه.